ومعناه في قوله تعالى : (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ) [الأنعام : ١٢٥] قال : «هو نور يقذفه الله تعالى في القلب» فقيل : «وما علامته»؟ فقال «التّجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود» وهو الذي قال عليهالسلام فيه : «إنّ الله تعالى خلق الخلق في ظلمة ثمّ رشّ عليهم من نوره» فمن ذلك النور ينبغي أن يطلب الكشف. وذلك النور ينبجس من الجود الإلهي في بعض الأحايين ، ويجب الترصد له كما قال عليهالسلام : " إنّ لربّكم في أيّام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها".
والمقصود من هذه الحكايات أن يعمل كمال الجد في الطب حتى ينتهي إلى طلب ما لا يطلب ؛ فإن الأوليات ليست مطلوبة ، فإنها حاضرة والحاضر إذا طلب فقد واختفى ، ومن طلب ما لا يطلب فلا يتهم بالتقصير في طلب ما يطلب.
القول في أصناف الطالبين
ولما شفاني الله تعالى من هذا المرض بفضله وسعة جوده ، انحصرت أصناف الطالبين عندي في أربع فرق :
١ ـ المتكلمون : وهم يدّعون أنهم أهل الرأي والنظر.
٢ ـ الباطنية : وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم والمخصصون بالاقتباس من الإمام المعصوم.
٣ ـ الفلاسفة : وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان.
٤ ـ الصوفية : وهم يدعون أنهم خواص الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة.
فقلت في نفسي : الحق لا يعدو عن هذه الأصناف الأربعة ، فهؤلاء هم السالكون سبل طلب الحق ، فإن شذ الحق عنهم ، فلا يبقى في درك الحق مطمع ، إذ لا مطمع في الرجوع إلى التقليد بعد مفارقته ، إذ من شرط المقلد أن لا يعلم أنه مقلد فإذا علم ذلك انكسرت زجاجة تقليده ، وهو شعب لا يرأب ، وشعث لا يلم بالتلفيق وبالتأليف ، إلا أن يذاب بالنار ويستأنف لها صيغة أخرى مستجدة.
فابتدرت لسلوك هذه الطرق ، باستقصاء ما عند هذه الفرق ، مبتدئا بعلم الكلام ، ومثنيا بطريق الفلسفة ، ومثلثا بتعليمات الباطنية ، ومربعا بطريق الصوفية.
١ ـ علم الكلام مقصوده وحاصله
ثم إني ابتدأت بعلم الكلام ، فحصلته وعقلته ، وطالعت كتب المحققين منهم ، وصنفت فيه ما أردت أن أصنف ، فصادفته علما وافيا بمقصوده ، غير واف بمقصودي ؛ وإنما مقصوده حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها عن تشويش أهل البدعة ؛ فقد ألقى الله تعالى إلى عباده على لسان رسوله عقيدة هي الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم ، كما نطق بمعرفته القرآن والأخبار ،