فيها ولا يهرمون ، ولا يحزنون ولا يصومون ، ولا يصلّون ولا يمرضون ، ولا يبولون ولا يتغوّطون (وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) [الحجر : ٤٨]. فمن طلبها وذكر كرامتي ، وجواري ونعمتي ، فليتقرّب إليّ بالصّدق ، والاستهانة بالدّنيا ، والقناعة بالقليل".
الموعظة التّاسعة والعشرون
يقول الله تعالى : " يا بن آدم! المال مالي وأنت عبدي ، فما لك من مالي إلّا ما أكلت فأفنيت ، أو لبست فأبليت ، أو تصدّقت فأبقيت. فأنا وأنت ثلاثة أقسام : فواحد لي ، وواحد لك ، وواحد بيني وبينك ؛ فأمّا الّذي لي فروحك ، وأمّا الّذي لك فعملك ، وأمّا الّذي بيني وبينك ، فمنك الدّعاء ومنّي الإجابة. يا بن آدم! تورّع واقنع ترني ، واعبدني تصر إليّ ، واطلبني تجدني. يا بن آدم! إذا كنت مثل الأمراء الّذين دخلوا النّار بالفجور ، والعرب بالمعصية ، والعلماء بالحسد ، والتّجّار بالخيانة ، والجبريّة بالجهالة ، والصّنّاع والعبّاد بالرّياء ، والأغنياء بالكبر ، والفقراء بالكذب ، فأين من يطلب الجنّة؟ ".
الموعظة الثّلاثون
يقول الله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران : ١٠٢] يا بن آدم! إنّما مثل العلم بلا عمل كمثل البرق والرّعد بلا مطر ، ومثل العمل بلا علم كمثل شجرة بلا ثمرة ، ومثل العالم بلا عمل كمثل قوس بلا وتر ، ومثل المال بلا زكاة كمثل من يزرع الملح على الصّفا ، ومثل الموعظة عند الأحمق كمثل الدّرّ والجواهر عند البهائم ، ومثل القاسي مع العلم كمثل حجر باقع. ومثل الموعظة عند من لا يرغب فيها كمثل المزمار عند القبور ، ومثل الصّدقة من الحرام كمثل من يغسل القذر على ثوبه ببوله ، ومثل الصّلاة بلا زكاة كمثل جثّة بلا روح ، ومثل العالم بلا توبة كمثل البناء بلا أساس ، (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللهِ ، فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ) [الأعراف: ٩٩].
الموعظة الحادية والثّلاثون
يقول الله تعالى : " يا بن آدم! بقدر ميلك إلى الدّنيا ومحبّتي من قلبك ، فإنّي لا أجمع حبّي وحبّ الدّنيا في قلب واحد أبدا ، يا بن آدم! تورّع تعرفني ، وتجوّع ترني ، وتجرّد لعبادتي تصل إليّ ، وأخلص من الرّياء عملك ، ألبسك محبّتي ، وتفرّغ لذكري ، أذكرك عند ملائكتي. يا بن آدم! في قلبك غير الله ، وترجو غير الله ، الى متى تقول الله تعالى وتخاف غير الله؟ ولو عرفت حقّا لما همّك غير الله ، ولم تخف إلّا الله ، ولم تفتّر لسانك عن ذكر الله ، فإنّ الاستيصال عن الإصرار بتوبة الكاذبين. يا بن آدم! لو خفت من النّار كما خفت من الفقر لأغنيتك من حيث لم تحتسب. يا بن آدم! ولو رغبت في الجنّة كما ترغب في الدّنيا ، أسعدتك في الدّارين ، ولو ذكرتموني كما يذكر بعضكم بعضا ، لسلّمت عليكم الملائكة بكرة وعشيّا ، ولو أحببتم عبادتي