ولا تقرّ بالنّهار ، فكيف وما بعده أشدّ منه؟ يا بن آدم! اجعل سرّه وراءك بما تناله من النّعم في آخرتك ، وليكن أسفك على ما فاتك منها خيرات ، وما آتيك من دنياك فلا تفرح به ، وما فاتك منها فلا تأس عليه. يا بن آدم! من التّراب خلقتك ، وإلى التّراب أعيدك ، ومن التّراب أبعثك ، فودّع الدّنيا وتهيّأ للموت ، واعلم أنّي إذا أحببت عبدا زويت عنه الدّنيا واستعملته للآخرة ، وأريته عيوب الدّنيا فيحذرها ، ويعمل بعمل أهل الجنّة فأدخله الجنّة برحمتي ؛ وإذا بغضت عبدا أشغلته عنّي بالدّنيا واستعملته بعملها ، فيكون من أهل النّار فأدخله النّار. يا بن آدم! كلّ عمر فان وإن طال ، والدّنيا كفيء الظّلال ، [يمكث] قليلا ثمّ يذهب فلا يعود إليك. يا بن آدم! أنا الّذي خلقتك ، وأنا الّذي رزقتك ، وأنا الّذي أحييتك ، وأنا الّذي أميتك ، وأنا الّذي أبعثك ، وأنا الّذي أحاسبك ، فإن عملت شرّا رأيته ، مع أنّك لا تملك لنفسك ضرّا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا. يا بن آدم! أطعني واخدمني ولا تهتمّ بالرّزق ، فقد كفيتك أمره ، ولا تحمل همّ شيء قد كفيته. يا بن آدم! كيف تحمل أمر شيء لم يقدّر لك ولم تدركه ، كما أنّك لم تأخذ ثواب عمل لم تعمله. يا بن آدم! من كان سبيله الموت فكيف يفرح بالدّنيا؟ ومن كان بيته القبر فكيف يسرّ في بيته في دار الدّنيا؟ يا بن آدم! رزق قليل وأنت شاكر خير من كثير [وأنت] غير شاكر. يا بن آدم! خير مالك ما قدّمته ، وشرّ مالك ما خلّفته في الدّنيا ، فقدّم لنفسك خيرا تجده عندي قبل أن يأخذك الموت. يا بن آدم! من كان مهموما ، فأنا الّذي فرّجت همّه ، ومن كان مستغفرا ، فأنا الّذي أغفر له ، ومن كان تائبا ، فأنا الّذي نهيته ، ومن كان عاريا ، فأنا الّذي كسوته ، ومن كان خائفا ، فأنا الّذي أمّن خوفه ، ومن كان جائعا ، فأنا الّذي أشبعه ، وإذا كان عبدي على طاعتي وأرضى أمري ، يسّرت له أمره وشددت أزره ، وشرحت صدره. يا موسى! من استغنى بأموال الفقراء واليتامى أفقرته في الدّنيا وعذّبته في الآخرة ، ومن تجبّر على الفقراء والضّعفاء أعقبت بناءه الخراب ، وأسكنته النّار (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى ، صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى) [الأعلى : ١٨ ، ١٩]".