من شك في نبوته عليهالسلام ، فليتأمل بعده عليهالسلام عن العلوم ثم لينظر القرآن وما ينطوي عليه من الصنائع العلمية من الإلهيات والمنطقيات والجدل والخطابة وسائر الأشياء التي حصلها الأولون والآخرون من العلوم وسمته علما أو فلسفة وكيّف فيه أشكال البراهين قائمة والجدل على وجهه والأقيسة على وجهها مع ما تجرد إليه من العلم الديني ، وهي سياسة الخلق المعبر عنها بالأحكام الشرعية وهو يتيم نشأ في حجر عمه لم تعلمه قط قريش ولا مارس علما ، ولو مارس علما ودرس لما انتهى أبد الآباد إلى النظم فضلا عن هذه المعاني الغريبة ، وكل من حاول معارضته قصد معارضه النظم وهو قصاراه ، ثم لم يأت إلا بالكلام الغث المشترك ، ولو أنه تحرى من تعاطى المعارضة إلى انطواء القرآن على هذه الصنائع العلمية وقصد تضمينها لما تعاطى المعارضة أبد الآبدين ، ولتقنع حياء مما جاء به ومن شك في أن ذلك أمر إلهي وتأبيد رباني ، فقد طبع الله على قلبه نعوذ بالله من ذلك ، وصلى الله على سيّدنا محمد نبيه كما هدانا من ظلمات الشك وعلى آله وصحبه ومحبيه وسلم تسليما.
المعراج السادس
ما أتى من القول من طريق الرسول صلىاللهعليهوسلم ضربان : طلب وخبر. والطلب ضربان أمر ونهي ، وقد تكلمنا على الأمر والنهي وأصول الأحكام الشرعية وكيف تستعمل في رسالة الأقطاب. وأما الخبر فينقسم إلى أخبار عمن مضى كأخبار الأمم وعما يأتي كأمور الزمن وأنباء الآخرة وكل ما نطق به القرآن وتواتر عن الرسول صلىاللهعليهوسلم فهو يقين لا شك فيه. وهو منقسم إلى ما يحتمل التأويل وإلى ما لا يحتمل ، فكل ما احتمل التأويل عذر المؤول له وما لا يحتمل التأويل وتركه تارك عن قصد كفر بتركه. والأمور المشكلة ثلاث مسائل : إحداها : مسألة النفس وقد فرغنا منها. الثانية : مسألة حشر الأجساد. الثالثة : الجنة والنار.
مسألة : قال الله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) [الأنبياء : ١٠٤]. وهذا هو نص في الإعادة ، وقال تعالى في العظام : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) [يس : ٧٩]. وقال تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً* ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) [نوح عليهالسلام : ١٧ و ١٨]. وأكثر آي القرآن في البعث ، وهو نص في إعادة الأنفس إلى قوالب الأجسام ولا مراء في ذلك ومن امتنع عنه شك في صدق الرسول أو كفر به عمدا. والمنكرون له فرقتان : طائفة زعمت أن لا بقاء للنفس ، فإن العالم متناسخ تابع لدورات الفلك لا إلى نهاية وقد تقدم الرد على هذه الطائفة.
الطائفة الثانية : وهم من الإسلاميين وهم أكثر المتصوفة المتفلسفة. زعموا أن الأنفس باقية وأن الأجساد لا تعاد ، وحجتهم أن الجسم مستحيل عن أغذية مأكولة والأغذية نباتات ولحوم ، وربما أكل شخص شخصا آخر فيجتمع جسم واحد من الأجسام ، فلو أعيد الجسم لبطلت تلك الأجسام المأكولة ولبطل حشرها ، وإن حشرت زال جسم هذا الآكل وهذا تطويل يستغنى عنه ، فإنا نقول : لا نلتزم لكم أن الله تعالى يعيد عين الأجسام ، بل ضمن أن يرد الأنفس إلى خلق