جديد وتراه كما فعل ذلك ابتداء ، وقد ورد في الخبر : إن لله تعالى ينزل قطرا فيكون ذلك أصلا لخلقة الأجسام وهو قادر على اختراع ما يشاء. وكيف لا ، وقد قال علماؤكم المتقدمون من أهل الهند وغيرهم. عمر العالم ستة وثلاثون ألف سنة. وقالوا أيضا : خمسون ألفا على اختلاف بينهم في ذلك. وقالوا : ثلاثة وستون ألف سنة ثم يعاد جديدا ، وتبدل الأرض غير الأرض والسماوات ويرجع القطب اليماني شماليا والمعمور غامرا وبالعكس والبر بحرا والبحر برا.
فإن قالوا : هذا لا فائدة لكم فيه ، فإنه يلزم أن يبدل ثانيا.
قلنا : ذلك جائز في قدرة الله تعالى ، ولكن الرسل عليهمالسلام أخبرت أنه لا يفعل ذلك وأن للعالم ثلاث حالات : حالة عدم تقدمت وحالة وجود نحن فيها وحالة إعادة.
مسألة : قالوا : أنكرنا وجود الجنة والنار يعني أن تكون لذاتهما وآلامهما محسوسة جسمانية.
قلنا : علة الاستحالة عندكم تأثير الطبائع في الأجسام بواسطة حركات الكواكب ، وقد قال قدماؤكم إن للعالم تحويلا. وأخبرت به الرسل عليهمالسلام وتتابعت على ذلك ، فتلك القضية بخلاف هذه ، فبم تنكرون على من يزعم أن هذه القضية كما اقتضت أسبابها الفناء تقتضي أسباب تلك البقاء وتكون الحكمة فيها أن تكون غرضا مقصود البقاء في الأجسام ، وكيف لا. وقد قال الجماهير منكم بل الإطباق على ذلك أن جوهر الشمس لا يقبل البقاء ، واتفقتم على أن جوهر النفس لا يقبل الفناء والجسم عندكم ، وإن تركب وكان تركيبه حادثا فجواهره قديمة ولم يتوال نصب الأسباب على جهة تقتضي البقاء. ثم الجنة والنار عبارتان عن قطرين يكون أحدهما فيه قصور الذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت والثمار ثم لمن استقر فيها بقاء بلا موت وواجد هذه اللذات أبدا لا يألم ولا يحزن ولا يجوع ولا يظمأ ولا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ، والآخر على الضد من هذا وهو النار وبالله الهداية.
المعراج السابع
غرضنا فيه بيان معنى الموت ، وهل هو كمال أو نقصان ، فالموت فساد المزاج وقصور الجسم عن الانفعال للنفس لعدم الحس والحركة ، فمن زعم أن النفس قديمة زعم أنه ترك النفس البدن كالرجل ارتحل عن بيت أضيف فيه إلى داره وعلى الرسم المتقدم كمن لبس ثوبا حتى انقطع وتخرق عليه فسقط عنه الثوب وبقي عريانا منكشفا ، والملك الموكل بالموت موكل بسبب الموت وهو سوق الآلام وبعث النفس على الأسباب المهلكة ، فيكون الموت بواسطته ولا يبعد في العقل أن يكون للنفس ملائكة تتلقاها بالسخط والبشرى كما شهدت به الظواهر. وأما هل الموت كمال أو نقص؟ فحقيقة النقص الرجوع من الأعلى إلى الأدنى ، والكمال الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى فإن الإنسان إن كان يرتقي إلى الأعلى بسبب الموت فهو كمال. وذلك أنه