وقوله تعالى (فَذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُ) (١) أي فذلكم الذي يرزقكم من السماء والأرض ويخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويدبر الأمر هو ربكم (٢) الحق الذي لا رب لكم سواه إذا (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ ، (٣) فَأَنَّى تُصْرَفُونَ) أي كيف يصرفون عن الحق بعد معرفته إلى الضلال؟ إنه أمر يدعو إلى الاستغراب والتعجب!
وقوله تعالى (كَذلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) أي مثل ذلك الصرف الذي يصرفه المشركون عن الحق بعد معرفته إلى الضلال أي كما حق ذلك حقت كلمة ربك وهي أن الله لا يهدي القوم الفاسقين فهم لا يهتدون ، وذلك أن العبد إذا توغل في الشر والفساد بالإدمان والاستمرار عليه يبلغ حدا لا يتأتّى له الرجوع منه والخروج بحال فهلك على فسقه لتحق عليه كلمة العذاب وهي (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ).
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ مشركوا العرب كانوا يشركون في الألوهية ويوحدون في الربوبية.
٢ ـ وليس بنافع أن يوحد العبد في الربوبية ويشرك في الألوهية.
٣ ـ ليس بعد الحق (٤) إلا الضلال فلا واسطة بينهما فمن لم يكن على حق فهو على ضلال.
٤ ـ التوغل في الشر والفساد يصبح طبعا لصاحبه فلا يخرج منه حتى يهلك به.
(قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٣٤) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ
__________________
(١) في الصحيح من دعاء الرسول صلىاللهعليهوسلم إذا قام من جوف الليل يقول (اللهم أنت الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق ..) في حديث طويل هذا من وسطه ، والشاهد في قوله : (أنت الحق).
(٢) أي : إلهكم ومعبودكم الحق لا ما تعبدون من أصنام وأوثان فإذا عرفتم إلهكم الحق فإنّ ما بعده من آلهة هو الضلال.
(٣) روي عن مالك في قوله تعالى : (فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ) قال : اللعب بالشطرنج والنرد : هو الضلال ، وسئل عن الغناء فقال : هل هو حق؟ قالوا : لا. قال فما بعد الحق إلّا الضلال. وفي صحيح مسلم : (من لعب بالنرد شير فكأنّما غمس يده في لحم خنزير ودمه).
(٤) روي عن عمر رضي الله عنه أنه رخّص فيما كان فيه دربة على الحرب من أنواع اللعب ، إذ الغرض صحيح ، وهو تعلم فنون الحرب ، وحذق أساليبها.