الله فتوحدوه وتؤمنوا برسوله وكتابه فتهتدوا ، وتتركوا آلهتكم التي لا تهدي إلى الحق؟ (فَما لَكُمْ) أي أيّ شيء ثبت لديكم في ترك عبادة الله لعبادة غيره من هذه الأوثان ، (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) أي حكم هذا تحكمون به وهو اتباع من لا يهدي وترك عبادة من يهدي إلى الحق. وقوله تعالى (وَما يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا) (١) أي أن أكثر هؤلاء المشركين لا يتبعون في عبادة أصنامهم إلا الظن فلا يقين عندهم في أنها حقا آلهة تستحق العبادة ، (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) أي إن الظن لا يكفي عن العلم ولا يغني عنه أي شيء من الإغناء ، والمطلوب في العقيدة العلم لا الظن. (٢) وقوله تعالى (إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) هذه الجملة تحمل الوعيد الشديد لهم على إصرارهم على الباطل وعنادهم على الحق فسيجزيهم بذلك الجزاء المناسب لظلمهم وعنادهم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير التوحيد بإبطال الآلهة المزعومة حيث اعترف عابدوها بأنها لا تبدأ خلقا ولا تعيده بعد موته ، ولا تهدي إلى الحق ، والله يبدأ الخلق ثم يعيده ويهدي إلى الحق.
٢ ـ إبطال الأحكام الفاسدة وعدم إقرارها ووجوب تصحيحها.
٣ ـ لا يقبل الظن في العقائد بل لا بد من العلم اليقيني فيها.
٤ ـ كراهية القول بالظن والعمل به وفي الحديث (إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث).
(وَما كانَ هذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرى مِنْ دُونِ اللهِ وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٣٧) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ
__________________
(١) في الآية دليل على أن عابدي غير الله تعالى ليسوا سواء في الاعتقاد الباعث لهم على عبادتها بل أكثرهم لا يتبعون في عبادتها إلا مجرّد الظن ، والبعض الآخر القليل لا اعتقاد لهم إلا اتباع غيرهم وتقليد سواهم من رؤسائهم ، وأهل الكلمة فيهم ، فكلا الفريقين هالك.
(٢) الظن يطلق على مراتب الإدراك ، فيطلق على الاعتقاد الجازم الذي لا شك فيه كقوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) ويطلق على الاعتقاد المشكوك فيه كقول قوم نوح لنوح : (وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكاذِبِينَ) ويطلق على الاعتقاد المخطىء كآية : (إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وحديث : (فإن الظن أكذب الحديث).