(يَخْرُصُونَ) : أي يحزرون ويكذبون.
(لِتَسْكُنُوا فِيهِ) : أي تخلدوا فيه إلى الراحة والسكون عن الحركة.
(مُبْصِراً) : أي مضيئا ترى فيه الأشياء كلها.
(فِي ذلِكَ) : أي من جعله تعالى الليل سكنا والنهار مبصرا لآيات.
(يَسْمَعُونَ) : أي سماع إجابة وقبول.
معنى الآيات :
ما زال السياق في تقرير قضايا التوحيد الثلاث التوحيد والنبوة والبعث قال تعالى مخاطبا رسوله محمدا صلىاللهعليهوسلم (وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) أي لا يجعلك قول المشركين المفترين (لَسْتَ مُرْسَلاً) وأنك (لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ) تحزن فإن قولهم هذا لا ينتج لهم إلا سوء العاقبة والهزيمة المحتمة ، (إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) (١) فربك القوى القادر سيهزمهم وينصرك عليهم. إذا فاصبر على ما يقولون ولا تأس ولا تحزن. إنه تعالى هو السميع لأقوال عباده العليم بأعمالهم وأحوالهم ولا يخفى عليه شيء من أمرهم. (أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) خلقا وملكا وتصرفا ، كل شيء في قبضته وتحت سلطانه وقهره فكيف تبالي بهم يا رسولنا فتحزن لأقوالهم (وَما يَتَّبِعُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ شُرَكاءَ) أي آلهة حقا بحيث تستحق العبادة لكونها تملك نفعا أو ضرا ، موتا أو حياة لا بل ما هم في عبادتها متبعين إلا الظن (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) أي يتقولون ويكذبون. وقوله تعالى (هُوَ الَّذِي (٢) جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ ، وَالنَّهارَ مُبْصِراً) أي الإله الحق الذي يجب أن يدعى ويعبد الله الذي جعل لكم أيها الناس ليلا مظلما لتسكنوا فيه فتستريحوا من عناء العمل في النهار. وجعل لكم النهار مبصرا (٣) أي مضيئا لتتمكنوا من العمل فيه فتوفروا لأنفسكم ما تحتاجون إليه في حياتكم من غذاء وكساء. وليست تلك الآلهة من أصنام وأوثان بالتي تستحق الألوهية فتدعى وتعبد. وقوله (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) (٤) أي إن فيما
__________________
(١) أي : القوة الكاملة ، والغلبة الشاملة ، والقدرة التامة لله وحده ، والعزيز هو الغالب الذي لا يغلب ، والقوي الذي لا يحال بينه وبين مراده. و (جَمِيعاً) منصوب على الحال ، وعزّة المؤمنين هي بعزّة الله فلا منافاة إذا.
(٢) في الآية استدلال على عزّته تعالى وملكه لكل شيء وقدرته وتصرفه في كل شيء وهو ما أوجب له العبادة دون ما سواه.
(٣) يقال أبصر النهار ، إذا صار ضياء ، وأظلم الليل إذا صار ذا ظلام.
(٤) الجملة مستأنفة ، والآيات : الدلائل الدالة على وحدانية الله تعالى في ربوبيته وألوهيته ، والدلالة تكون مرئية ومسموعة ومعقولة ، وعليه فالأعمى والأصم وغير العاقل لا يستفيدون منها فهذه علّة عدم استفادة المشركين من الآيات لفقدهم آلات العقل والسمع والبصر ، إذ فسدت بالجهل والتقليد والعناد والمكابرة والجحود.