أن يفهم منه أن الله تعالى عاجز عن جعلهم يؤمنون بل لو شاء إيمانهم لآمنوا كما لو شاء إيمان أهل الأرض جميعا لآمنوا والثانية تسلية الرسول والتخفيف عنه من ألم وحزن عدم إيمان قومه وهو يدعوهم بجد وحرص ليل نهار فأعلمه ربه أنه لو شاء إيمان كل من في الأرض لآمنوا ، ولكنه التكليف المترتب عليه الجزاء فيعرض الإيمان على الناس عرضا لا إجبار معه فمن آمن نجا ، ومن لم يؤمن هلك ويدل على هذا قوله له (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ (١) النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) أي إن هذا ليس لك ، ولا كلفت به ، وقوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) تقرير وتأكيد لما تضمنه الكلام السابق من أن الإيمان لا يتم لأحد إلا بإرادة الله وقضائه ، وقوله تعالى : (وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ (٢) عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) أي إلا أنه تعالى يدعو الناس إلى الإيمان مبينا لهم ثمراته الطيبة ويحذرهم من التكذيب مبينا لهم آثاره السيئة فمن آمن نجاه وأسعده ومن لم يؤمن جعل الرجس الذي هو العذاب عليه محيطا به جزاء له لأنه لا يعقل إذ لو عقل لما كذب ربه وكفر به وعصاه وتمرد عليه وهو خالقه ومالك أمره.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ من مظاهر رحمة الله تعالى بعباده دعوته إياهم إلى الإيمان به وحضهم عليه.
٢ ـ قبول التوبة قبل معاينة العذاب ، ورؤية العلامات لا تمنع من التوبة.
٣ ـ إرادة الله الكونية التي يكون بها الأشياء لا تتخلف أبدا ، وإرادته الشرعية التكليفية جائزة التخلف.
٤ ـ لا إيمان إلا بإذن الله وقضائه فلذا لا ينبغي للداعي أن يحزن على عدم إيمان الناس إذا دعاهم ولم يؤمنوا لأن الله تعالى كتب عذابهم أزلا وقضى به.
__________________
(١) الاستفهام : انكاري ينكر تعالى على رسوله شدّة حرصه على إيمان قومه ، حتى لكأنه يريد إكراههم على الإيمان به وبما جاء به من التوحيد.
(٢) (الرِّجْسَ) : بضم الراء وكسرها : العذاب.