أَمْرِ اللهِ) جائز أن يعود الضمير فى «له» على من هو مستخف بالليل وسارب بالنهار ، فيكون المراد من المعقبات الحرس والجلاوزة الذين يحرسون السلطان من أمر الله تعالى في نظرهم ، ولكن إذا أراده الله بسوء فلا مرد له وما له من دون الله من وال يتولى حمايته والدفاع عنه ، وجائز أن يعود على الله تعالى ويكون المراد من المعقبات الملائكة الحفظة (١) والكتبة للحسنات والسيئات ويكون معنى من أمر الله (٢) أي بأمره تعالى وإذنه ، والمعنى صحيح في التوجيهين للآية وإلى الأول ذهب ابن جرير وإلى الثاني ذهب جمهور المفسرين ، وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه ماضية فيهم وهي أنه تعالى لا يزيل نعمة أنعم بها على قوم من عافية وأمن ورخاء بسبب إيمانهم وصالح أعمالهم حتى يغيروا ما بأنفسهم من طهارة وصفاء بسبب ارتكابهم للذنوب وغشيانهم للمعاصي نتيجة الإعراض عن كتاب الله وإهمال شرعه وتعطيل حدوده والانغماس في الشهوات والضرب في سبيل الضلالات ، وقوله تعالى : (وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ) هذا إخبار منه تعالى بأنه إذا أراد بقوم أو فرد أو جماعة سوءا ما أي ما يسوءهم من بلاء وعذاب فلا مرد له بحال من الأحوال بل لا بد وأن يمسهم ، ولا يجدون من دون الله من وال يتولى صرف العذاب عنهم ، أما من الله تعالى فإنهم إذا أنابوا إليه واستغفروه وتابوا إليه فإنه تعالى يكشف عنهم السوء ويصرف عنهم العذاب ، وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً) من الصواعق من جهة وطمعا في المطر من جهة أخرى (وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ) أي وهو الذي ينشىء (٣) أي يبدء السحاب الثقال الذي يحمل الأمطار (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ) (٤) أي وهو الذي يسبح الرعد بحمده وهو ملك موكل بالسحاب يقول :
__________________
(١) الحفظة : جمع حافظ : ملائكة موكلون بالعبد يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من الجن ، والشياطين ، فإذا جاء أمر الله أي : قدره تخلّوا عنه والكتبة : جمع كاتب : ملك يكتب الحسنات وآخر يكتب السيئات.
(٢) ذكر القرطبي : أن العلماء رحمهمالله تعالى ذكروا أن الله سبحانه وتعالى جعل أوامره على وجهين. أحدهما : قضى وقوعه وحلوله بصاحبه فهذا لا يدفعه أحد ، والثاني : قضى مجيئه ولم يقض حلوله ووقوعه بل قضى صرفه بالتوبة والدعاء والصدقة.
(٣) إنشاء السحاب : تكوينه من عدم بإثارة الأبخرة التي تتجمع سحابا ، والسحاب اسم جمع لسحابة ، وسميت سحابة لأنها تسحب من مكان إلى مكان.
(٤) الباء للملابسة : أي يسبّح الله تسبيحا ملابسا لحمده ، والتسبيح ، التنزيه.