(مِنْ أَمْرِ رَبِّي) : أي من شأنه وعلمه الذي استأثر به ولم يعلمه غيره.
(لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) : أي القرآن بأن نمحوه من الصدور والمصاحف لفعلنا.
(لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً) : يمنع ذلك منا ويحول دون ما أردناه منك.
(إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ) : أي لكن أبقيناه عليك رحمة من ربك فلم نذهب به.
(بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ) : من الفصاحة والبلاغة والمحتوى من الغيوب والشرائع والأحكام.
(ظَهِيراً) : أي معينا ونصيرا.
(صَرَّفْنا) : بينا للناس مثلا من جنس كل مثل ليتعظوا به فيؤمنوا ويوحدوا.
(فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ) : أي أهل مكة إلا كفورا أي جحودا للحق وعنادا فيه.
معنى الآيات :
يقول تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ (١) عَنِ الرُّوحِ) إذ قد سأله المشركون عن الروح وعن أصحاب الكهف ، وذي القرنين بإيعاز من يهود المدينة فأخبره تعالى : بذلك وعلمه الرد عليهم فقال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) (٢) وعلمه الذي لا يعلمه إلا هو ، وما أوتيتم من العلم إلا قليلا لأن سؤالهم هذا ونظائره دال على إدعائهم العلم فأعلمهم أن ما أوتوه من العلم إلا قليل بجانب علم الله تعالى (٣) وقوله تعالى : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَ (٤) بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) هذا امتنان من الله على رسوله الذي أنزل عليه القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين بأنه تعالى قادر على محوه من صدره. وسطره ، فلا تبقى منه آية ثم لا يجد الرسول وكيلا له يمنعه من فعل الله به ذلك ولكن رحمة منه تعالى لم يشأ ذلك بل يبقيه إلى قرب قيام الساعة حجة الله على عباده وآية على نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم ، وصدق رسالته ، وليس هذا بأول إفضال من الله تعالى على رسوله ، بل فضل الله عليه كبير ، ولنذكر من ذلك طرفا وهو
__________________
(١) روى ابن إسحق أنّ قريشا بعثوا النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط إلى أحبار اليهود ويثرب يسألانهم عن أمر النبي صلىاللهعليهوسلم فقال اليهود لهما : سلوه عن ثلاثة وذكروا لهما أهل الكهف وذا القرنين وعن الروح ، فإن أخبركم عن اثنين وأمسك عن واحدة فهو نبي وإلّا فروا رأيكم فيه فأنزل الله تعالى سورة الكهف وفيها الجواب عن أصحاب الكهف ، وذي القرنين ، وأنزل هذه الآية : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ).
(٢) يطلق الروح على ملك من الملائكة عظيم ويطلق على جبريل ويطلق على هذا الموجود الخفي المنتشر في سائر الجسد الإنساني الذي دلت عليه آثاره من الإدراك والتفكير وهو المسؤول عنه في هذه الآية ، وسؤالهم كان عن بيان حقيقته وماهيته.
(٣) لفظ الآية عام وإن كان سبب نزولها خاصا إذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإنه ما أوتي أحد علما إلّا وهو إلى جانب علم الله تعالى قليل.
(٤) روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قوله : إنّ هذا القرآن الذي أظهركم يوشك أن ينزع منكم. قالوا : كيف ينزع منا وقد أثبته الله في قلوبنا وكتبناه في المصاحف قال : يسرى عليه في ليلة واحدة فينزع ما في القلوب ويذهب ما في المصاحف ويصبح الناس منه فقراء ثمّ قرأ : (وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَ) الآية.