لهما من جزاء في الدار الآخرة ، مع ذكر صفات كل منهما ، تلك الصفات المقتضية لجزائهما في الدار الآخرة قال تعالى : (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُ) فيؤمن به بعد العلم ويستقيم على منهجه في عقيدته وعبادته ومعاملاته وسلوكه كله. هذه الشخصية الأولى (كَمَنْ هُوَ أَعْمى) (١) لم يعلم الحق ولم يؤمن به ولم يعمل بما أنزل إلى الرسول من الشرع.
والجواب قطعا أنهما لا يستويان ولا يكونان في ميزان العدل والحق متساويين وقوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ) أي يتعظ بمثل هذه المقارنة أصحاب العقول المدركة للحقائق والمفرقة بين المتضادّات كالحق والباطل والخير والشر والنافع والضار. وقوله تعالى : (الَّذِينَ يُوفُونَ) هذا مشروع في بيان صفاتهم المقتضية إنعامهم وإكرامهم نذكر لهم ثماني صفات هي كالتالي : (١) الوفاء بالعهود وعدم نقضها : (الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ) (٢) (اللهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ) (٣) إذ لا دين لمن لا عهد له. (٢) وصل ما أمر الله به أن يوصل من الإيمان والإسلام والإحسان والأرحام : (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ). (٣) خشية الله المقتضية لطاعته : (وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ). (٤) الخوف من سوء الحساب يوم القيامة المقتضي لمحاسبة النفس على الصغيرة والكبيرة : (وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ). (٥) الصبر طلبا لمرضاة الله على الطاعات وعن المعاصي ، وعلى البلاء : (وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ). (٦) إقامة الصلاة وهي اداؤها في أوقاتها جماعة بكامل الشروط والأركان والسنن والآداب : (وَأَقامُوا الصَّلاةَ). (٧) الانفاق مما رزقهم الله في الزكاة والصدقات الواجبة والمندوبة : (وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ). (٨) دفع السيئة بالحسنة فيدرءون سيئة الجهل عليهم بحسنة الحلم ، وسيئة الأذى بحسنة (٤) الصبر.
وقوله تعالى : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ) أي العاقبة المحمودة وفسرها بقوله (جَنَّاتُ عَدْنٍ) أي إقامة لا ظعن منها يدخلونها هم (وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ)
__________________
(١) المراد من العمى هنا : عمى القلب لا عمى البصر ، والجهل هو سبب العمى.
(٢) العهد هنا : اسم جنس إذ المراد الوفاء بكافة عهود الله تعالى وهي أوامره ونواهيه التي وصي بها عباده.
(٣) الميثاق هنا : أيضا اسم جنس يدخل فيه كل المواثيق أي : إذا عقدوا في طاعة الله عهدا لم ينقضوه ، قال قتادة : ورد النهي عن نقض الميثاق في بضع وعشرين آية.
(٤) وسيئة المعصية بالتوبة منها. واللفظ العام الشامل هو أنهم يدفعون بالعمل الصالح كل عمل فاسد.