يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) أي أعثرناهم عليهم في وقت كان أهل البلد يتنازعون في شأن البعث والحياة الآخرة هل هي بالأجسام والأرواح أو بالأرواح دون الأجسام. فتبين لهم بهذه الحادثة أن البعث حق وأنه بالأجسام والأرواح معا. وقوله تعالى : (فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) واتركوهم في الكهف أي سدوا عليهم باب الكهف واتركوهم فيه لأنهم بعد أن عثروا عليهم ماتوا (رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) وبحالهم.
وقوله تعالى : (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) أي قال الذين غلبوا على أمر الفتية لكون الملك كان مسلما معهم (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) (١) أي للصلاة فيه وفعلا بنوه على مقربة من فم الغار بالكهف.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ مظاهر قدرة الله تعالى وعلمه وحكمته.
٢ ـ وجوب طلب الحلال في الطعام والشراب وغيرهما.
٣ ـ الموت على الشرك والكفر مانع من الفلاح يوم القيامة أبدا.
٤ ـ تقرير معتقد البعث والجزاء الذي ينكره أهل مكة.
٥ ـ مصداق قول الرسول صلىاللهعليهوسلم «لعن الله اليهود والنصارى إتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» وقوله «إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق يوم القيامة» (في الصحيحين).
٦ ـ مصداق قول الرسول صلىاللهعليهوسلم «لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع». إذ قد بنى (٢) المسلمون على قبور الأولياء والصالحين المساجد. بعد القرون المفضلة حتى أصبح يندر وجود مسجد عتيق خال من قبر أو قبور. (٣)
__________________
(١) اتخاذ المساجد على القبور من عمل أهل الكتاب قبل هذه الأمّة ، وقد بيّن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم وحذّر منه وحرّمه على أمته لما يفضي به إلى الشرك وعبادة غير الله تعالى فقد روى أبو داود والترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله : (لعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم زوارات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج) وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنّ أم حبيبة وأم سلمة رضي الله عنهما ذكرتا كنيسة رأتاها بالحبشة فيها تصاوير لرسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال صلىاللهعليهوسلم إنّ أولائك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدا وصوّروا تلك الصور أولائك شرار الخلق عند الله يوم القيامة). وروى مسلم : (لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها) وفي الصحيحين : (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ، يحذر ما صنعوا).
(٢) روى الترمذي وصححه عن جابر رضي الله عنه قال : (نهى رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن تجصص القبور وأن يكتب عليها أو يبنى عليها وأن توطأ) وروى أبو دواود والترمذي وغيرهما أنّ عليا قال لأحد رجاله أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ألّا تدع تمثالا إلّا طمسته ولا قبرا مشرفا إلّا سويته ولا صورة إلّا طمستها) والمراد بالمشرف : العالي المرتفع أما تسنيم القبر شبرا وأكثر ليعرف فلا بأس به.
(٣) ذكر القرطبي هنا أنّ الدفن في التابوت جائز لا سيما في الأرض الرخوة وقال : روي أنّ دانيال عليهالسلام كان في تابوت من حجر وأنّ يوسف عليهالسلام أوصى بأن يتخذ له تابوت من زجاج.