(٣) الإفساد في الأرض بالشرك والمعاصي : (وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) (١) بهذه الصفات استوجبوا هذا الجزاء ، قال تعالى : (أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي البعد من الرحمة (وَلَهُمْ سُوءُ (٢) الدَّارِ) أي جهنم وبئس المهاد ، وقوله تعالى : (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا ، وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) يخبر تعالى عن سنة من سننه في خلقه وهي أنه يبسط الرزق أي يوسعه على من يشاء امتحانا هل يشكر أم يكفر ويضيّق ويقتّر على من يشاء ابتلاء هل يصبر أو يجزع ، وقد يبسط الرزق لبعض إذ لا يصلحهم إلا ذاك ، وقد يضيق على بعض إذ لا يصلحهم إلا ذاك ، فلن يكون الغنى دالّا على رضى الله ، ولا الفقر دالّا على سخطه تعالى على عباده ، وقوله : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا) أي فرح أولئك الكافرون بالحياة الدنيا لجهلهم بمقدارها وعاقبتها وسوء آثارها وما الحياة الدنيا بالنسبة إلى ما أعد الله لأوليائه وهم أهل الإيمان به وطاعته إلا متاع قليل ككفّ التمر أو قرص الخبز يعطاه الراعي غذاء له طول النهار ثم ينفد ، وقوله تعالى في الآية (٢٧) : (وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ (٣) عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) فقد تقدم مثل هذا الطلب من المشركين وهو مطالبة المشركين النبي صلىاللهعليهوسلم أن تكون له آية كناقة صالح أو عصا موسى ليؤمنوا به وهم في ذلك كاذبون فلم يحملهم على هذا الطلب إلا الاستخفاف والعناد وإلا آيات القرآن أعظم من آية الناقة والعصا ، فلذا قال تعالى لرسوله : (قُلْ إِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ) إضلاله ولو رأى وشاهد ألوف الآيات (٤) (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) ولو لم ير آية واحدة إلا أنه أناب إلى الله فهداه إليه وقبله وجعله من أهل ولايته ، وقوله تعالى في الآية (٢٨) (الَّذِينَ (٥) آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللهِ) أولئك الذين أنابوا إليه تعالى إيمانا وتوحيدا فهداهم إليه صراطا مستقيما هؤلاء تطمئن قلوبهم أي تسكن وتستأنس بذكر الله وذكر وعده وذكر صالحي عباده محمد صلىاللهعليهوسلم وأصحابه ، وقوله تعالى : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُ
__________________
(١) أي بالشرك وارتكاب المعاصي.
(٢) أي سوء المنقلب وهو جهنم. قال سعد ابن أبي وقاص : والله الذي لا إله إلا هو انهم الحرورية : بمعنى الخوارج.
(٣) المطالبون بالآيات المقترحون لها على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. من بينهم عبد الله بن أمية وأصحابه.
(٤) الضمير في قوله : (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنابَ) : يعود على الحق أو الإسلام أو الله عزوجل. أي يهدي إلى جنته وطاعته من رجع إليه بقلبه والكل صالح ومراد.
(٥) (الَّذِينَ) : في محل نصب لأنه مفعول يهدي ، ويصح أن يكون بدلا من قوله : (أَنابَ) وذكر الله هو ذكره بألسنتهم وبقلوبهم وهو يشمل ذكر الوعد والوعيد وكمال الله كما يشمل قراءة كتابه وتلاوة آياته قال مجاهد : هم أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم وحقا هم ومن يأتي بعدهم ينهج نهجهم في الإيمان والتقوى.