فيكون دليلا على نبوتك ذكر رحمة ربك التي رحم بها عبده زكريا حيث كبرت سنه ، وامرأته عاقر لا يولد لها ورغب في الولد لمصلحة الدعوة الإسلامية إذ لا يوجد من يخلفه فيها إذا مات نظرا إلى أن الموجود من بني عمه ومواليه ليس بينهم كفؤ لذلك بل هم دعاة إلى السوء فنادى (١) ربه نداء خفيا قائلا : (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي) أي رق وضعف ، (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً) أي شاب شعر رأسي لكبر سني ، (وَلَمْ أَكُنْ بِدُعائِكَ رَبِّ شَقِيًّا) أي في يوم من الأيام بمعنى أنك عودتني الاستجابة لما أدعوك له ولم تحرمني استجابة دعائي فأشقى به دون الحصول على رغبتي. (وَإِنِّي) يا ربي قد (خِفْتُ (٢) الْمَوالِيَ) أن يضيعوا هذه الدعوة دعوة الحق التي هي عبادتك بما شرعت وحدك لا شريك لك ، وذلك بعد موتي (فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ) أي من عندك تفضلا به علي إذ الأسباب غير متوفرة للولد : المرأة عاقر وأنا شيخ كبير هرم ، (وَلِيًّا) أي ولدا يلي أمر هذه الدعوة بعد وفاتي فيرثني فيها (وَيَرِثُ (٣) مِنْ آلِ يَعْقُوبَ) جدي ما تركوه بعدهم من دعوة أبيهم إبراهيم وهي الحنيفية عبادة الله وحده لا شريك له (وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا) أي واجعل الولد الذي تهبني يا ربي (رَضِيًّا) أي عبدا صالحا ترضاه لحمل رسالة الدعوة إليك ، فأجابه الرب تبارك وتعالى بما في قوله : (يا زَكَرِيَّا (٤) إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى (٥) ، لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا) أي من سمي باسمه يحيى قط.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم بإخباره بهذا الذي أخبر به عن زكريا عليهالسلام.
٢ ـ استحباب السرية في الدعاء لأنه أقرب إلى الاستجابة.
__________________
(١) النداء هنا : الدعاء والرغبة إلى الله تعالى ، وفيه استحباب دعاء السرّ والمناجاة الخفية ، وقد أسرّ مالك القنوت وجهر به الشافعي لأنّ الرسول صلىاللهعليهوسلم جهر به.
(٢) (الْمَوالِيَ) هنا : الأقارب وبنوا العم والعصبة الذين يلونه في النسب لأنّ العرب تسمّي بني العم موالي قال شاعرهم :
مهلا بني عمّنا مهلا موالينا |
|
لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا |
(٣) المراد من الإرث هو : إرثه في دعوته لأنّ مواليه كانوا مهملين للدّين والدعوة فخاف ضياع ذلك فسأل ربه ولدا يقوم بذلك ، أمّا المال فإنّ الأنبياء لا يورثون وما يتركونه فهو صدقة.
(٤) في الكلام حذف تقديره : فاستجاب الله دعاءه فقال : يا زكريا .. الخ.
(٥) تضمنت هذه البشرى ثلاثة أمور : أحدها : إجابة دعائه وهي كرامة. الثاني : إعطاؤه الولد وهو قوّة له ، والثالث : إفراده بتسمية لم يسمّ بها أحد قبله ، قيل في قوله : (مِنْ قَبْلُ) إشارة إلى أنه سيخلف بعده من هو أشرف اسما وذاتا وحالا وهو محمد صلىاللهعليهوسلم.