وهو سوي البدن ما به خرس ولا مرض يمنعه من الكلام ، (فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ) أي المصلى الذي يصلي فيه (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ) أي أومأ وأشار (١) إليهم (أَنْ سَبِّحُوا (٢) بُكْرَةً وَعَشِيًّا) (٣) أي اذكروا الله في هذين الوقتين بالصلاة والتسبيح. وهنا علم بحمل امرأته إذ إمتناعه عن الكلام مع سلامة جسمه وحواسه آية على بداية الحمل. وقوله تعالى : (يا يَحْيى خُذِ الْكِتابَ بِقُوَّةٍ) هذا قول الله تعالى للغلام بعد بلوغه ثلاث سنين أمره الله تعالى أن يتعلم التوراة ويعمل بها بقوة جد وحزم وقوله (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ (٤) صَبِيًّا) أي وهبناه الفقه في الكتاب ومعرفة أسرار الشرع وهو صبي لم يبلغ سن الاحتلام. وقوله تعالى : (وَحَناناً مِنْ (٥) لَدُنَّا وَزَكاةً وَكانَ تَقِيًّا) أي ورحمة منا به ومحبة له آتيناه الحكم صبيا كما أنه عليهالسلام كان ذا حنان على أبويه وغيرهما من المسلمين وقوله (وَزَكاةً) أي طهارة من الذنوب باستعمال بدنه في طاعة ربه عزوجل (وَكانَ تَقِيًّا) أي خائفا من ربه فلا يعصه بترك فريضة ولا يفعل حرام.
وقوله تعالى : (وَبَرًّا بِوالِدَيْهِ) أي محسنا بهما مطيعا لهما لا يؤذيهما أدنى أذى وقوله (وَلَمْ يَكُنْ جَبَّاراً عَصِيًّا) أي لم يكن عليهالسلام مستكبرا ولا ظالما ، ولا متمردا عاصيا لربه ولا لأبويه وقوله : (وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ (٦) وُلِدَ) أي أمان له من الشيطان يوم ولد ، وأمان له من فتانى القبر يوم يموت ، وأمان له من الفزع الأكبر يوم يبعث حيا ، فسبحان الله ما أعظم فضله وأجزل عطاءه على أوليائه ، اللهم أمنا كما أمنته فإنك ذو فضل عظيم.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ طلب معرفة السبب الذي يتأتى به الفعل غير قادح في صاحبه فسؤال زكريا عن الوجه الذي يأتي به الولد ، كسؤال إبراهيم عن كيفية إحياء الموتى.
__________________
(١) أو كتب إليهم كتابة.
(٢) إذ كان يأمرهم بالصلاة بكرة وعشيا فلما حملت امرأته أمرهم بالصلاة بالإشارة لأنه لم يقدر على الكلام إذ جعل الله تعالى عجزه عن الكلام علامة الحمل لامرأته.
(٣) (بُكْرَةً وَعَشِيًّا) ظرفان في الصباح والمساء.
(٤) يروى أنه قال له الأولاد : هيا بنا نلعب فقال لهم : ما للعب خلقت ، فهذا مما أوتيه من الحكم صبيّا.
(٥) الحنان : التعطف والترحم وأصله من حنين الناقة إلى فصيلها ، ويقال : حنانك وحنانيك وهما بمعنى واحد. قال طرفة :
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا |
|
حنانيك بعض الشر أهو من بعض |
(٦) وجائز أن يكون المراد بالسلام هنا : التحية منه تعالى وهي أشرف من غيرها.