فيما كرهت مني قط وسأقابل إساءتك بإحسان (سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي) أي أطلب منه أن يهديك للإيمان والتوحيد فتتوب فيغفر لك (إِنَّهُ كانَ) سبحانه وتعالى (بِي حَفِيًّا) لطيفا بي مكرما لي لا يخيبني فيما أدعوه فيه.
وقوله تعالى حكاية عن قيل ابراهيم : (وَأَعْتَزِلُكُمْ وَما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي أذهب بعيدا عنكم تاركا لكم ولما تعبدون من دون الله من أصنام وأوثان ، (وَأَدْعُوا رَبِّي عَسى أَلَّا أَكُونَ بِدُعاءِ رَبِّي شَقِيًّا) (١) أي رجائي في ربي كبير أن لا أشقى بعبادته كما شقيتم أنتم بعبادة الأصنام. قال تعالى مخبرا عنه فلما حقق ما واعدهم به من هجرته لديارهم إلى ديار القدس تاركا أباه وأهله وداره كافأناه بأحسن حيث أعطيناه ولدين يأنس بهما في وحشته وهما إسحق ويعقوب وكلا منهما جعلناه نبيا رسولا ، ووهبنا لجميعهم وهم ثلاثة الوالد ابراهيم وولداه اسحق ويعقوب بن اسحق عليهمالسلام من رحمتنا الخير العظيم من المال والولد والرزق الحسن هذا معنى قوله تعالى : (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ) وهو ابن ولده إسحق (وَكُلًّا جَعَلْنا نَبِيًّا وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا). وقوله تعالى عنهم (وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا) هذا إنعام آخر مقابل الهجرة في سبيل الله حيث جعل الله تعالى لهم لسان الصدق في الآخرة فسائر أهل الأديان الإلهية يثنون على إبراهيم وذريته بأطيب الثناء وأحسنه وهو لسان الصدق العلي الرفيع الذي حظى به إبراهيم وولديه إكراما من الله تعالى وإنعاما عليهم جزاء صدق إبراهيم وصبره وبالتالي هجرته للأصنام وعابديها.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان الفرق بين ما يخرج من فم المؤمن الموحد من طيب القول وسلامة اللفظ ولين الجانب والكلام ، وبين ما يخرج من فم الكافر المشرك من سوء القول وقبح اللفظ وقسوة الجانب وفظاظة الكلام.
٢ ـ مشروعية سلام المتاركة والموادعة وهو أن يقال للسيء من الناس سلام عليك وهو لا يريد
__________________
(١) أراد بهذا الدعاء أن يهب الله تعالى له أهلا وولدا يتقوى بهم حتى لا يستوحش بالاعتزال ، وفي قوله تعالى (فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ) وهنا له دليل يرجح هذا القول. والله أعلم.