(بِما تَسْعى) : أي سعيها في الخير أو في الشر.
(فَتَرْدى) : أي تهلك.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تقرير التوحيد ففي نهاية الآية السابقة (٨) كان قوله تعالى (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) تقريرا للتوحيد وإثباتا له وفي هذه الآية (٩) يقرره تعالى عن طريق الإخبار عن موسى ، وأن أول ما أوحاه إليه من كلامه كان إخباره بأنه لا إله إلا هو أي لا معبود غيره وأمره بعبادته. فقال تعالى : (وَهَلْ أَتاكَ) (١) أي يا نبينا (حَدِيثُ مُوسى (٢) إِذْ رَأى ناراً ،) وكان في ليلة مظلمة شاتية وزنده الذي معه لم يقدح له نارا (فَقالَ لِأَهْلِهِ) أي زوجته ومن معها وقد ضلوا طريقهم لظلمة الليل ، (امْكُثُوا) أي ابقوا هنا فقد آنست نارا أي أبصرتها (لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ) فنوقد به نارا تصطلون بها أي تستدفئون بها ، (أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) أي أجد حولها ما يهدينا طريقنا الذي ضللناه.
وقوله تعالى : (فَلَمَّا أَتاها) أي أتى النار ووصل إليها وكانت شجرة (٣) تتلألؤ نورا (نُودِيَ يا مُوسى) أي ناداه ربه تعالى قائلا يا موسى (٤) (إِنِّي أَنَا رَبُّكَ) أي خالقك ورازقك ومدبر أمرك (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) وذلك من أجل أن يتبرك بملامسة الوادي المقدس بقدميه. وقوله تعالى (وَأَنَا اخْتَرْتُكَ) أي لحمل رسالتي إلى من أرسلك إليهم. (فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى) (٥) أي إليك وهو : (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا) أي أنا الله المعبود بحق ولا معبود بحق غيري وعليه فاعبدني وحدي ، (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (٦) ، أي لأجل أن تذكرني فيها وبسببها. فلذا من لم يصل لم يذكر الله تعالى وكان بذلك كافرا لربه تعالى. وقوله (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ) (٧) أي ان الساعة التي يقوم فيها الناس أحياء من قبورهم للحساب والجزاء
__________________
(١) هذا الاستفهام أريد به التشويق لما يلقى لعظيم فائدته ، وهل هنا بمعنى قد المفيدة للتحقيق هي كما في قوله : (هَلْ أَتى عَلَى الْإِنْسانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) أي قد أتى.
(٢) الحديث : الخبر ، ويجمع على غير قياس : أحاديث ، وقيل : واحده أحدوثة واستغنوا به عن جمع فعلاء لأن فعيل يجمع على فعلاء. كرحيم ورحماء وسعيد وسعداء وهو اسم للكلام الذي يحكى به أمر قد حدث في الخارج.
(٣) قيل : هي شجرة عنّاب.
(٤) قرأ حمزة وحده ، وانّا اخترناك بضمير العظمة.
(٥) في هذه الآية إشارة إلى أن التعارف بين المتلاقين حسن فقد عرفه تعالى بنفسه في أوّل لقاء معه ، روى أنه وقف على حجر واستند على حجر ووضع يمينه على شماله ، وألقى ذقنه على صدره وهذه حالة الاستماع المطلوبة من صاحبها.
(٦) استدل مالك على أن من نام عن صلاة أو نسيها فإنه يصليها مستدلا بقوله تعالى : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) أي : لأول وقت ذكرك لها والسنة صريحة في هذا إذ قال صلىاللهعليهوسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها فلا كفارة لها إلا ذاك)
(٧) الساعة علم بالغلبة على ساعة البعث والحساب.