الآية السابقة أنه صنعه لنفسه ، فأمره في هذه الآية بالذهاب مع أخيه هارون مزودين بآيات الله وهي حججه التي أعطاهما من العصا واليد البيضاء ، ونهاهما عن التواني في ذكر الله بأن يضعفا في ذكر وعده ووعيده فيقصرا في الدعوة إليه تعالى فقال : (اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ بِآياتِي (١) وَلا تَنِيا فِي ذِكْرِي) (٢) وبين لهما إلى من يذهبا وعلة ذلك فقال : (اذْهَبا إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) أي تجاوز قدره وتعدى حده من إنسان يعبد الله إلى إنسان كفار ادعى أنه رب وإله ، وعلمهما اسلوب الدعوة فقال لهما : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً) أي خاليا من الغلظة والجفا وسوء الإلقاء وعلل لذلك فقال (لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) (٣) أي رجاء أن يتذكر معاني كلامكما وما تدعوانه إليه فيراجع نفسه فيؤمن ويهتدي (٤) أو يخشى العذاب ان بقى على كفره وظلمه فيسلم لكما بني إسرائيل ويرسلهم معكما ، فأبدى موسى وأخوه هارون تخوفا فقال ما أخبر تعالى به عنهما في قوله : (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا) أي يعجل بعقوبتنا بالضرب أو القتل ، (أَوْ أَنْ يَطْغى) (٥) أي يزداد طغيانا وظلما. فطمأنهما ربهما عزوجل بأنه معهما بنصره وتأييده وهدايته إلى كل ما فيه عزهما فقال لهما : (لا تَخافا) أي من فرعون وملائه : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) اسمع ما تقولان لفرعون وما يقول لكما. وأرى ما تعملان من عمل وما يعمل فرعون وإني أنصركما عليه فأحق عملكما وأبطل عمله. فاتياه إذا ولا تترددا فقولا أي لفرعون (إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ) أي إليك (فَأَرْسِلْ مَعَنا بَنِي إِسْرائِيلَ) لنخرج بهما حيث أمر الله ، (وَلا تُعَذِّبْهُمْ) بقتل رجالهم واستحياء نسائهم واستعمالهم في أسوء الأعمال وأحطها ، (قَدْ جِئْناكَ بِآيَةٍ مِنْ (٦) رَبِّكَ) أي بحجة من ربك دالة على أنا رسولا ربك إليك وأنه يأمرك بالعدل والتوحيد
__________________
(١) يروى أن ابن عباس رضي الله عنهما قال : الآيات التسع. وهذا باعتبار ما يكون وإلا فما حصل هو آية العصا واليد لا غير.
(٢) ولا تنيا ؛ أي : ولا تضعفا. يقال : وني يني ونىّ أي : ضعف في العمل. أي : لا تني أنت وأبلغ هارون أن لا يني.
(٣) لعلّ : حرف ترج ولكن هي هنا بالنسبة إلى موسى وهارون معناه : لعل رجاء كما وطمعكما. فالتوقع فيها إنما هو راجع إلى جهة البشر.
(٤) لقد تذكر فرعون وخشي وذلك ساعة غرقه ولم ينفعه ذلك إذ قال : آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو اسرائيل.
(٥) قوله تعالى : (قالا رَبَّنا إِنَّنا نَخافُ) الخ هذه بداية كلام موسى وهارون بعد أن انتهى كلام موسى مع ربّه وحده. قبل أن يصل إلى مصر ، ومعنى : يفرط يبادر بعقوبتهما ويعجلها ، يقال : فرط منه أمر أي : بدر ، وأفرط : أسرف وفرّط : ترك وأضاع ، وفي الآية دليل عدم المؤاخذة بالخوف مما من شأنه أن يخاف ، ولكن لا يمنع من عبادة الله تعالى التي هي علّة الخلق والوجود.
(٦) هي اليد والعصا.