تعالى : (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِنَ الْأَرْضِ هُمْ يُنْشِرُونَ) وفي الآية الثانية (٢٢) يبطل تعالى دعواهم في اتخاذ آلهة مع الله فيقول : (لَوْ كانَ فِيهِما) (١) أي في السموات والأرض آلهة غير الله تعالى لفسدتا لأن تعدد الآلهة يقتضى التنازع (٢) والتمانع هذا يريد أن يخلق كذا وهذا لا يريده هذا يريد أن يعطى كذا وذاك لا يريده فيختل نظام الحياة وتفسد ، ومن هنا كان انتظام الحياة هذه القرون العديدة دالا على وحدة الخالق الواجب الوجود الذي تجب له العبادة وحده دون من سواه ، فلذا نزه تعالى نفسه عن الشريك وما يصفه به المبطلون من الزوجة والولد فقال : (فَسُبْحانَ (٣) اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) وقرر ألوهيته وربوبيته المطلقة بقوله : (لا يُسْئَلُ (٤) عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) فالذي يفعل ولا يسأل لعلمه وقدرته وملكه هو الإله الحق والذي يسأل عن عمله لم فعلت ولم تركت ويحاسب عليه ويجزى به لن يكون إلا عبدا مربوبا ، وقوله في توبيخ آخر للمشركين : (أَمِ اتَّخَذُوا (٥) مِنْ دُونِهِ) عزوجل آلهة يعبدونها؟ قل لهم يا رسولنا هاتوا برهانكم على صدق دعواكم في أنها آلهة ، ومن أين لهم البرهان على احقاق الباطل؟ وقوله تعالى : (هذا ذِكْرُ (٦) مَنْ مَعِيَ) أي من المؤمنين وهو القرآن الكريم به يذكرون الله ويعبدونه وبه يتعظون (وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي) أي التوراة والانجيل هل في واحد منها ما يثبت وجود آلهة مع الله تعالى. والجواب لا. إذا فما هي حجة هؤلاء المشركين على صحة دعواهم ، والحقيقة أن المشركين جهلة لا يعرفون منطقا ولا برهانا فلذا هم معرضون وهذا ما دل عليه قوله تعالى : (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَ (٧) فَهُمْ مُعْرِضُونَ) فليسوا أهلا لمعرفة الأدلة والبراهين لجهلهم فلذا هم معرضون عن قبول التوحيد وتقرير أدلته وحججه وبراهينه.
__________________
(١) هذه الجملة مقررة لما أنكره تعالى على المشركين من اتخاذهم آلهة من الأرض مبيّنة وجه الإنكار شارحة له أي : يستحيل أن يوجد آلهة حق مع الله تعالى. والبرهان مذكور في التفسير.
(٢) هذا ما يسمى بدليل أو برهان التمانع وأنه وإن كان فيه ما يرده إلا أنه في الجملة دليل مسكت للخصم مقنع لذي العقول.
(٣) إظهار اسم الجلالة في مكان الإضمار كان لتربية المهابة منه عزوجل إذ كان المفروض أن يقول سبحانه.
(٤) قال ابن جريج : لا يسأله الخلق عن قضائه فيهم وهو يسألهم عن أعمالهم لأنهم عبيده وبهذا انهدّ معتقد المشركين والقدريين معا إذ الله لا يسأل عما يفعل وغيره يسأل فالذي يسأل ويحاسب ويجزي لن يكون إلها أبدا.
(٥) (أَمِ) بمعنى : بل والاستفهام التعجبي أي : بل اتخذوا من دون الله الهة يا للعجب فليأتوا إذا ببرهان عقلي على صحة دعواهم ومن أين لهم إذا أفلا يتوبون.
(٦) زيادة على إقامة بطلان الشرك بشهادة القرآن كتاب الله وشهادة الكتب السابقة وفيها التهديد والوعيد للمشركين.
(٧) قرأ الحق بالرفع ابن محيسن والحسن على تقدير هذا هو الحق وقرأ الجمهور بالنصب مفعول أي : لا يعلمون الحق الذي هو القرآن العظيم فهم لا يتأملونه فحججه وبراهينه على إبطال الشرك ظاهرة