الإيمان به تعالى وعبادته وحده ، وإن عبادة من سواه باطلة ، فقال تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ (١) قَبْلُ) وقوله : (وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ) (٢) أي بأهليته للدعوة والقيام بها لما علمناه (إِذْ قالَ) أي في الوقت الذي قال لأبيه أي آزر ، وقومه منكرا عليهم عبادة غير الله (ما هذِهِ) (٣) (التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ) أي مقبلون عليها ملازمون لها فأجابوه بما أخبر تعالى به عنهم في قوله : (قالُوا وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) فأعلنوا عن جهلهم إذ لم يذكروا برهانا على صحة أو فائدة عبادتها واكتفوا بالتقليد الأعمى وشأنهم في هذا شأن سائر من يعبد غير الله تعالى فإنه لا برهان له على صحة عبادة من يعبد إلا التقليد لمن رآه يعبده. فرد عليهم ابراهيم بما أخبر تعالى عنه في قوله (قالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآباؤُكُمْ) أي الذين قلدتموهم في عبادة الأصنام (فِي ضَلالٍ) أي عن الهدى الذي يجب أن تكونوا عليه (مُبِينٍ) لا يحتاج إلى إقامة دليل عليه ، وردوا على إبراهيم قوله هذا فقالوا بما أخبر تعالى به عنهم (قالُوا أَجِئْتَنا بِالْحَقِ) (٤) أي فيما قلت لنا من أنّا وآباءنا في ضلال مبين (أَمْ أَنْتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ) أي في قولك الذي قلت لنا فلم تكن جادا فيما تقول وإنما أنت لاعب لا غير ورد إبراهيم عليهم بما أخبر تعالى به عنه في قوله : (قالَ بَلْ) (٥) (رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلى ذلِكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ) أي ليس ربكم تلك التماثيل بل ربكم الحق الذي يستحق عبادتكم الذي فطر السموات والأرض فأنشأهن خلقا عجيبا من غير مثال سابق وأنا على كون ربكم رب السموات والأرض من الشاهدين إذ لا رب لكم غيره ، ولا إله حق لكم سواه. (وَتَاللهِ) قسما به تعالى (لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ) أي لأحتالن (٦) عليها فأكسرها (بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ) (٧) أي بعد أن ترجعوا عنها وتتركوها وحدها.
__________________
(١) جائز أن يكون من قبل موسى وهارون وجائز أن يكون من قبل النبوة والوحي إليه والرشد : الصلاح.
(٢) أي : بأهليته لإيتاء الرشد وصالح للنبوّة ، وجائز أن يكون عالمين به في الوقت الذي قال لأبيه وقومه : (ما هذِهِ التَّماثِيلُ) والظرف متعلق باذكر.
(٣) ظاهر السؤال أنه سؤال استعلام فلذا أجابوه بحسبه فقالوا : (وَجَدْنا آباءَنا لَها عابِدِينَ) ، وضمّن (عاكِفُونَ) معنى العبادة فعدّي باللام.
(٤) الاستفهام للاستعلام أي : جئتنا بالحق في اعتقادك أم أنت مازح فيما تقول؟
(٥) أي : لست بلاعب ولا مازح (بَلْ رَبُّكُمْ رَبُّ السَّماواتِ ..) الخ.
(٦) أقسم لهم بالله على أنه لم يكتف بالمحاجة باللسان وإنما سيكيد أصنامهم فيكسرها وذلك لوثوقه بربه تعالى ، ولتوطينه نفسه على مقاساة المكروه في الذبّ عن دين الله والتاء في تالله تختص بالقسم بالله وحده ، والواو تختص بكل اسم ظاهر والباء بكل مضمر ومظهر.
(٧) (مُدْبِرِينَ) حال مؤكدة لعاملها.