خالدون. وقوله : (لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ (١) وَهُمْ فِيها لا يَسْمَعُونَ) يخبر تعالى أن للمشركين في النار زفيرا وهو الأنين الشديد من شدة العذاب وأنهم فيها لا يسمعون لكثرة الانين وشدة الأصوات وفظاعة ألوان العذاب وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ ، لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ) نزلت هذه الآية ردا على ابن الزّبعرى عند ما قال إن كان ما يقوله محمد حقا بأننا وآلهتنا في جهنم فإن الملائكة معنا في جهنم لأننا نعبدهم ، وأن عيسى والعزير في جهنم لأن اليهود عبدوا العزيز والنصارى عبدوا المسيح. فأخبر تعالى أن من عبد بغير رضاه بذلك وكان يعبدنا ويتقرب إلينا بالطاعات فهو ممن سبقت لهم منا الحسنى بأنهم من أهل الجنة هؤلاء عنها أي عن جهنم مبعدون (لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها) أي حس صوتها وهم في الجنة ولهم فيها ما يشتهون خالدون ، (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ (٢) الْأَكْبَرُ) عند قيامهم من قبورهم بل هم آمنون (تَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) عند القيام من قبورهم بالتحية والتهنئة قائلة لهم : (هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) وقوله تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ) أي يتم لهم ذلك يوم يطوي الجبار جل جلاله السماء بيمينه (كَطَيِ (٣) السِّجِلِ) أي الصحيفة للكتب. وذلك يوم القيامة حيث تبدل الأرض غير الأرض والسموات غير السموات. وقوله تعالى : (كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) أي يعيد الإنسان كما بدأ خلقه فيخرج الناس من قبورهم حفاة عراة غرلا. (٤) وقوله : (وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ) أي وعدنا بإعادة الخلق بعد فنائهم وبلاهم وعدا ، إنا كنا فاعلين فأنجزنا ما وعدنا ، وإنا على ذلك لقادرون.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ تقرير التوحيد والنبوة والبعث والجزاء.
__________________
(١) الزفير نفس يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغم ، وهو هنا من أحوال المشركين لا الأصنام.
(٢) لا يحزنهم بضم الياء من أحزنه ، وبفتحها من حزنه قراءتان سبعيتان ، والفزع الأكبر : أهوال يوم القيامة ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو وقت يؤمر بالعباد إلى النار.
(٣) السجل : الكاتب يكتب الصحيفة ثم يطويها عند انتهاء كتابتها. هذا المعنى أوضح مما في التفسير.
(٤) الغرل : جمع أغرل وهو من لم يختتن فتقطع منه غلفة ذكره ، وأول من يكسى إبراهيم كما في صحيح مسلم.