فمن علينا بها فنحن ننبئكم بما أمرنا الله ربنا وربكم أن ننبئكم به كما نأمركم وندعوكم لا من تلقاء أنفسنا ولكن بما أمرنا أن نأمركم به وندعوكم إليه ، (وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي بإرادته وقدرته فهو ذو الإرادة التي لا تحد والقدرة التي لا يعجزها شيء ولذا توكلنا عليه وحده وعليه (فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) فإنه يكفيهم كل ما يهمهم ، ثم قالت الرسل وهي تعظ أقوامها بما تقدم : (وَما لَنا أَلَّا) (١) (نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) أي طرقنا التي عرفناه بها وعرفنا عظمته وعزة سلطانه فأي شيء يجعلنا لا نتوكل عليه وهو القوي العزيز (وَلَنَصْبِرَنَّ عَلى ما آذَيْتُمُونا) بألسنتكم وأيديكم متوكلين على الله حتى ينتقم الله تعالى لنا منكم ، (وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) إذ هو الكافل لكل من يثق فيه ويفوض أمره إليه متوكلا عليه وحده دون سواه ، وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) هذا إخبار منه تعالى على ما قالت الأمم الكافرة لرسلها : قالوا موعدين مهددين بالنفي والإبعاد من البلاد لكل من يرغب عن دينهم ويعبد غير آلهتهم : (لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنا) أي ديننا الذي نحن عليه وهنا أوحى الله تعالى إلى رسله بما أخبر تعالى به : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ) قال لنهلكن الظالمين ولم يقل لنهلكنهم إشارة إلى علة الهلاك وهي الظلم الذي هو الشرك والإفساد ليكون ذلك عظة للعالمين ، وقوله تعالى : (ذلِكَ) أي الإنجاء للمؤمنين والإهلاك للظالمين (٢) جزاء (لِمَنْ خافَ مَقامِي) (٣) أي الوقوف بين يدي يوم القيامة (وَخافَ وَعِيدِ) على ألسنة رسلي بالعذاب لمن كفر بي وأشرك في عبادتي ومات على غير توبة إلىّ من كفره وشركه وظلمه.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بطلان الشك في وجود الله وعلمه وقدرته وحكمته ووجوب عبادته وحده وذلك لكثرة
__________________
(١) (وَما) : اسم استفهام مبتدأ ، وما بعدها في موضع الحال ، والتقدير : أي شيء لنا في ترك التوكل على الله؟ والاستفهام انكاري.
(٢) وإسكان الصالحين الأرض بعد إهلاك الظالمين.
(٣) المقام : مصدر ميمي وقوله (مَقامِي) : أي قيامه بين يديّ للحساب ، والوعيد هو عذاب النار ، وقيل : مقامي : أي قيامي عليه ، ومراقبتي له والمعنى إذا خافني وراقبني ، وهو معنى صحيح ، والخوف من الله ومراقبته موجبة للصلاح المورث للأرض والدولة لقوله تعالى : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ).