تم ذلك في بدر وقوله تعالى : (وَإِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) فلذا تعالى لا يستعجل وهم يستعجلون فيوم الله بألف سنة ، وأيامهم بأربع وعشرين ساعة فإذا حدد تعالى لعذابهم يوما معناه أن العذاب لا ينزل بهم إلا بعد ألف سنة ، ونصف يوم بخمسمائة سنة ، وربع يوم بمائتين وخمسين سنة وهكذا فلذا يستعجل الإنسان ويستبطىء ، والله عزوجل ينجز وعده في الوقت الذي حدده فلا يستخفه استعجال المجرمين العذاب ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى : (وَلَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ) من سورة العنكبوت هذا ما دلت عليه الآية الأولى (٤٧) وقوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ) أي مدينة كبرى (أَمْلَيْتُ لَها) أي أمهلتها وزدت لها في أيام بقائها والحال أنها ظالمة بالشرك والمعاصي ثم بعد ذلك الإملاء والإمهال أخذتها (وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ) أي مصير كل شيء ومرده إلي فلا إله غيري ولا رب سواي فلا معنى لإستعجال هؤلاء المشركين العذاب فإنهم عذبوا في الدنيا أو لم يعذبوا فإن مصيرهم إلى الله تعالى وسوف يجزيهم بما كانوا يكسبون الجزاء العادل في دار الشقاء والعذاب الأبدي وقوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ (١) إِنَّما أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) ، فلست بإله ولا رب بيدي عذابكم إن عصيتموني وإنعامكم إن أطعتموني ، وإنما أنا عبد مأمور بأن أنذر عصاة الرب بعذابه ، وابشر أهل طاعته برحمته ، وهو معنى الآية (٥٠) (٢) فالذين آمنوا وعملوا الصالحات ولازمه أنهم تركوا الشرك والمعاصي لهم مغفرة لذنوبهم ورزق كريم عند ربهم وهو الجنة دار النعيم (وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) (٣) أي عملوا جادين مسرعين في صرف الناس عن آيات الله حتى لا يؤمنوا بها ويعملوا بما فيها من هدي ونور معاجزين لله يظنون أنهم يعجزونه والله غالب على أمره ناصر دينه وأوليائه ، أولئك البعداء في الشر والشرك أصحاب الجحيم الملازمون لها أبد الآبدين.
__________________
(١) النداء لأهل مكة خاصة وللبشريّة عامة إذ هو صلىاللهعليهوسلم رسول الله إلى الناس كافة والنذير : المخوف عقوبة الشرك والشر والفساد.
(٢) أي : ظانين أنهم يعجزوننا فلم نقو عليهم ولم نقدر على أخذهم لأنهم مكذّبون بالبعث الآخر وما فيه من حساب وجزاء على الكسب في هذه الدنيا.
(٣) ومما يزيد تفسير هذه الآية وضوحا قوله صلىاللهعليهوسلم : (مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان فالنجاء النجاء فأطاعته طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم ، وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم ، فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به ، ومثل من عصاني وكذب بما جئت به من الحق).