(وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ) : أي لمختبرين.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في ذكر قصة نوح عليهالسلام مع قومه فقد جاء في الآيات السابقة أن نوحا عليهالسلام دعا ربه مستنصرا إياه لينصره على قومه الذين كذبوه قائلا : (رَبِّ انْصُرْنِي (١) بِما كَذَّبُونِ) فاستجاب الله تعالى دعاءه فأوحى إليه أي أعلمه بطريق الوحي الخاص (أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ) أي السفينة (بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا) أي بمرأى منا ومنظر وبتعليمنا إياك وجعل له علامة على بداية هلاك القوم أن يفور التنور تنور طبخ الخبز بالماء وأمره إذا رأى تلك العلامة أن يدخل في السفينة من كل زوج أي ذكر وانثى اثنين من سائر الحيوانات التي أمكنه ذلك منه وأن يركب فيها أيضا أهله من زوجة وولد إلا من قضى الله بهلاكه ونهاه أن يكلمه في شأن الظالمين لأنهم مغرقون قطعا. هذا ما تضمنته الآية الأولى (٢٧) (فَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا فَإِذا جاءَ أَمْرُنا) أي بإهلاك الظالمين المشركين (وَفارَ التَّنُّورُ ، فَاسْلُكْ فِيها) أي في السفينة (مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ (٢) اثْنَيْنِ ، (٣) وَأَهْلَكَ) أي أزواجك وأولادك (إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ) أي بإهلاكهم كامرأته ، (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ (٤) ظَلَمُوا) أي لا تسألني عنهم فإني مهلكهم.
وقوله تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ (٥) أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) أي إذا ركبت واستقررت على متن السفينة أنت ومن معك من المؤمنين فاحمدنا (فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦) وادعنا ضارعا إلينا قائلا (رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً (٧) مُبارَكاً) أي من الأرض ، وأثن علينا
__________________
(١) الباء سببية في موضع الحال من النصر المأخوذ من فعل الدعاء ، وجملة (أَنِ اصْنَعِ) جملة مفسرة لجملة : (فَأَوْحَيْنا) لأنّ الوحي فيه معنى القول دون حروفه ، فأن تفسيرية قطعا.
(٢) الزوج : اسم لكل شيء له شيء آخر متصل به بحيث يجعله شفعا في حالة ما ، والمراد به هنا : أزواج الحيوانات لحفظ نوعها حتى لا تنقرض بالطوفان.
(٣) قرأ حفص (مِنْ كُلٍ) بتنوين كل ، وقرأ نافع وغيره بلا تنوين أي : بإضافة اثنين إلى كل ، وتنوين كل تنوين عوض أي : من كل ما أمرتك أن تحمله في السفينة.
(٤) أي : في شأنهم فإنهم قد قضى بإهلاكهم ولا رادّ لقضائه تعالى.
(٥) استويت : أي علوت فوقها واستقررت فيها ، وحرف الجر (عَلَى) مؤذن بالاستقرار والتمكن منه.
(٦) (الظَّالِمِينَ) : أي المشركين ، لأنّ الظلم هو الشرك ، والتنجية : الإنجاء من شرهم وأذاهم وشركهم وكفرهم.
(٧) المنزل بضم الميم : وفتح الزاي : مصدر الذي هو الإنزال ، وبفتح الميم وكسر الزاي هو مكان النزول أي : أنزلني موضعا مباركا ، والمنزل بفتح الميم والزاي معا : مصدر نزل نزولا ومنزلا.