لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ) أي اعبدوا الله بطاعته وإفراده بالعبادة إذ لا يوجد لكم إله غير الله تصح عبادته إذ الخالق لكم الرازق الله وحده فغيره لا يستحق العبادة بحال من الأحوال وقوله : (أَفَلا تَتَّقُونَ) يحثهم على الخوف من الله ويأمرهم به قبل أن تنزل بهم عقوبته.
وقوله تعالى : (وَقالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي وقال أعيان البلاد وأشرافها من قوم هود ممن كفروا بالله ورسوله وكذبوا بالبعث والجزاء في الدار الآخرة وقد أترفهم (١) الله تعالى : بالمال وسعة الرزق فأسرفوا في الملاذ والشهوات : قالوا : وما ذا قالوا؟ : قالوا ما أخبرنا تعالى به عنهم بقوله : (ما هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) أي ما هذا الرسول إلا بشر مثلكم (يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ) من أنواع الطعام (وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ) من ألوان الشراب (٢) أي فلا فرق بينكم وبينه فكيف ترضون بسيادته عليكم يأمركم وينهاكم. وقالوا : (وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ) أي خاسرون حياتكم ومكانتكم ، وقالوا (أَيَعِدُكُمْ (٣) أَنَّكُمْ إِذا مِتُّمْ وَكُنْتُمْ تُراباً وَعِظاماً) أي فنيتم وصرتم ترابا (أَنَّكُمْ مُخْرَجُونَ) أي أحياء من قبوركم. وقالوا : (هَيْهاتَ (٤) هَيْهاتَ) أي بعد بعدا كبيرا ما يعدكم به هود إنهاما (هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) أي (نَمُوتُ وَنَحْيا) (٥) جيل يموت وجيل يحيا (وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) وقالوا : (إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرى (٦) عَلَى اللهِ كَذِباً) أي اختلق الكذب على الله وقال عنه أنه يبعثكم ويحاسبكم ويجزيكم بكسبكم. وقالوا (ما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ) هذه مقالتهم ذكرها تعالى عنهم وهي مصرحة بكفرهم وتكذيبهم وإلحادهم وما سيقوله هود عليهالسلام سيأتي في الآيات بعد.
هداية الآيات :
من هداية الآيات :
١ ـ بيان سنة الله تعالى في إرسال الرسل ، وما تبتدىء به دعوتهم وهو لا إله إلا الله.
__________________
(١) أي : وسعنا عليهم نعم الدنيا حتى بطروا ، وصاروا يؤتون بالترفة وهي كالتحفة ، يقال : أترفه المال : إذا أبطره وأفسده.
(٢) في قولهم : يأكل مما تأكلون ويشرب مما تشربون. هذه الجملة وإن كانت تعليلا لبشرية الرسول فإنها دالة على أنهم حقا مترفون منعّمون في ملاذ الأكل والشرب كأنّه لا هم لهم إلا ذاك ، كما قيل : من أحب شيئا أكثر من ذكره كما هي مجالس المترفين اليوم جل أحاديثهم حول الأكل والشرب ونحوهما.
(٣) الاستفهام للتعجيب ، والكلام انتقال من تكذيبهم بكونه رسولا إليهم إلى التكذيب بما أرسل به من الدين الحق.
(٤) الجمهور من النّحاة واللغويين : أن هيهات اسم فعل ماض بمعنى بعد وهي مبنية على الفتح والكسر أيضا ولا تقال إلّا مكررة ، قال الشاعر :
فهيهات هيهات العقيق وأهله |
|
هيهات خلّ بالعقيق نواصله |
(٥) إن قيل : كيف قالوا : نموت ونحيا وهم منكرون للبعث؟ قيل في الجواب : إما أن يكون مرادهم نكون نطفا ميتة ثم نحيا ، وإما أن يكون في الكلام تقديم وتأخير أي : نحيا فيها ونموت نحو (وَاسْجُدِي وَارْكَعِي) وإما بموت الآباء وحياة الأبناء.
(٦) الافتراء : الكذب الذي لا شبهة فيه للمخبر ، وهو الاختلاق.