(وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) : أي تجمعون إليه بعد إحيائكم وخروجكم من قبوركم.
(وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) : أي إليه تعالى إيجاد الليل والنهار وظلمة الليل وضياء النهار.
(أَفَلا تَعْقِلُونَ) : فتعرفوا أن الله هو المعبود الحق إذ هو الرب الحق.
(إِلَّا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) : أي ما تقولون من البعث والحياة الثانية ما هو إلا حكايات وأساطير وأخبار الأولين ، والأساطير جمع أسطورة أي حكاية مسطرة مكتوبة.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في دعوة المنكرين للبعث الآخر إلى الإيمان به بعرض الأدلة العقلية عليهم لعلهم يؤمنون فقال تعالى لهم : (وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ (١) السَّمْعَ (٢) وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ) أي الله الذي خلق لكم أسماعكم وأبصاركم وقلوبكم قادر على إحيائكم بعد موتكم وحشركم إليه تعالى ليحاسبكم ويجزيكم ، وقوله : (قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (٣) يوبخهم تعالى على كفرانهم نعمه عليهم ، إذ أوجد لهم أسماعا وأبصارا وأفئدة ولم يحمدوه على ذلك ولم يشكروه بالإيمان به وبطاعته. وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ) أي خلقكم في الأرض ، (وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) إذ الذي قدر على خلقكم في الأرض قادر على خلقكم في أرض أخرى بعد أن يميتكم ويحشركم أي يجمعكم إليه ليحاسبكم ويجزيكم. وقوله : (وَهُوَ الَّذِي يُحْيِي (٤) وَيُمِيتُ) أي يحيي النطفة بجعلها مضغة لحم ثم ينفخ فيها الروح فتكون بشرا ، ويميتكم بعد انقضاء آجالكم أليس هذا قادرا على إحيائكم بعد موتكم.
وقوله تعالى : (وَلَهُ اخْتِلافُ (٥) اللَّيْلِ وَالنَّهارِ أَفَلا تَعْقِلُونَ) أي ولله تعالى اختلاف الليل والنهار بإيجادهما وتعاقبهما وإدخال أحدهما في الآخر أفلا (٦) تعقلون أنّ من هذه قدرته وتصاريفه في خلقه قادر على بعثكم بعد إماتتكم وقوله تعالى : (بَلْ قالُوا مِثْلَ (٧) ما قالَ الْأَوَّلُونَ) أي بدل
__________________
(١) هذا الكلام الإلهي ، استدلال وامتنان فقد عرّفهم بكمال قدرته وعظيم مننه.
(٢) جائز أن يكون لهم شكر قليل ، وجائز أن يكون لا شكر لهم البتة ، وإنما هو من باب الاحتراس كيلا ينقض الخبر. بأدنى شكر منهم.
(٣) جمع الأبصار والأفئدة باعتبار تعدد الأفراد ، ووحد السمع لأنه مصدر فجرى على الأصل.
(٤) هذه بعض مظاهر القدرة الإلهية الموجبة لعبادته وحده ، والموجبة لتصديقه فيما واعد به وأوعد ، من نعيم الآخرة وعذابها.
(٥) (وَلَهُ اخْتِلافُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ) هذه اللام : لام الاختصاص إذ لا قدرة لكائن سواه على اختلاف الليل والنهار بالطول والقصر ، والضياء والظلام ، وما يجري فيهما من تصاريف الكائنات على اختلافها وتنوعها.
(٦) الاستفهام إنكاري ينكر عليهم عدم تعقلهم وفهمهم لدلائل التوحيد والبعث والجزاء ، والفاء : للتفريع إذ هذا الكلام متفرع على ما تقدم من الأدلة في السياق.
(٧) في هذا التفات من الخطاب إلى الغيبة لأنّ الكلام انتقل من التقريع إلى حكاية ضلالهم ، وبل : للاضراب الإبطالي أي : أبطل كونهم يعقلون مع إثبات إنكارهم للبعث مع علّة الإنكار وهي : تقليدهم لآبائهم.