لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ؟) هذا سؤال طرح عليهم أي سألهم ربهم وهو أعلم بلبثهم كم لبثتم من سنة في الدنيا مدة حياتكم فيها ومدة لبثكم أمواتا في قبوركم؟ فأجابوا قائلين (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ (١) يَوْمٍ فَسْئَلِ (٢) الْعادِّينَ) أي من كان يعد من الملائكة أو من غيرهم ، وهذا الإضطراب منهم عائد إلى نكرانهم للبعث وكفرهم في الدنيا به أولا وثانيا أهوال الموقف وصعوبة الحال وآلام العذاب جعلتهم لا يعرفون أما أهل الإيمان فقد جاء في سورة الروم أنهم يجيبون إجابة صحيحة إذ قال تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتابِ اللهِ إِلى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهذا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ). وقوله تعالى : (إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَوْ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٣) هذا بالنظر إلى ما تقدم من عمر الدنيا ، فمدة حياتهم وموتهم إلى بعثهم ما هي إلا قليل وقوله تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ (٤) أَنَّما خَلَقْناكُمْ (٥) عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ) ، هذا منه تعالى توبيخ لهم وتأنيب على إنكارهم للبعث أنكر تعالى عليهم حسبانهم وظنهم أنهم لم يخلقوا للعبادة وإنما خلقوا للأكل والشرب والنكاح كما هو ظن كل الكافرين وأنهم لا يبعثون ولا يحاسبون ولا يجزون بأعمالهم. وقوله تعالى : (فَتَعالَى (٦) اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُ) أي عن العبث وعن كل ما لا يليق بجلاله وكماله وقوله : (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) أي لا معبود بحق إلا هو (رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) أي مالك العرش الكريم ووصف العرش بالكرم سائغ كوصفه بالعظيم والعرش سرير الملك وهو كريم لما فيه من الخير وعظيم إذ هو أعظم من الكرسي والكرسي وسع السموات والأرض ، ولم لا يكون العرش كريما وعظيما ومالكه جل جلاله هو مصدر كل كرم وخير وعظمة.
__________________
(١) هذا السؤال موجه للمشركين في عرصات القيامة ، والسؤال عن ليثهم في قبورهم وجائز أن يكون عن مدة حياتهم في الدنيا.
(٢) قيل : أنساهم شدة العذاب مدة مكثهم في قبورهم ، وقيل : استقصروا مدة لبثهم في الدنيا وفي القبور ورأوه يسيرا بالنسبة إلى ما هم بصدده.
(٣) هذا بالنظر إلى الدار الآخرة لا يعتبر شيئا يذكر.
(٤) روي بضعف ان ابن مسعود مرّ بمصاب مبتلى فقرأ في أذنه : (أَفَحَسِبْتُمْ) الآية إلى (الرَّاحِمِينَ) فبرأ فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم :
(ما ذا قرأت في أذنه؟ فأخبره فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم والذي نفسي بيده لو أن رجلا موقنا قرأها على جبل لزال).
(٥) أي : مهملين كما خلق البهائم لا ثواب لها ولا عقاب عليها كقوله تعالى (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً).
(٦) (فتعالى الله) : أي تنزه وتقدس الله الملك الحق عن الأولاد والشركاء والأنداد ، وعن أن يخلق شيئا عبثا أو سفها.