(أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ) : أي زيغ في قلوبهم فيكفروا.
(قَدْ يَعْلَمُ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ) : أي من الإيمان والنفاق ، وإرادة الخير أو إرادة الشر. وقد هنا للتأكيد عوملت معاملة رب إذ هي للتقليل وتكون للتكثير أحيانا.
معنى الآيات :
يخبر تعالى أن المؤمنين الكاملين في إيمانهم هم الذين آمنوا بالله ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإذا كانوا معه صلىاللهعليهوسلم في أمر جامع يتطلب حضورهم كالجمعة واجتماعات الحروب ، لم يذهبوا حتى يستأذنوه صلىاللهعليهوسلم ويأذن لهم هذا معنى قوله تعالى : (إِنَّمَا (١) الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَإِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ).
وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) في هذا تعليم للرسول والمؤمنين وتعريض بالمنافقين. فقد أخبر تعالى أن الذين يستأذنون النبي هم المؤمنون بالله ورسوله ، ومقابله أن الذين لا يستأذنون ويخرجون بدون إذن هم لا يؤمنون بالله ورسوله وهم المنافقون حقا ، وأمر رسول الله إذا استأذنه المؤمنون لبعض شأنهم أن يأذن لمن شاء منهم ممن لا أهمية لحضوره كما أمره أن يستغفر الله لهم لما قد يكون غير عذر شرعي يبيح لهم الاستئذان وطمعهم في المغفرة بقوله إن الله غفور رحيم.
وقوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ (٢) بَعْضاً) هذا يحتمل أمورا كلها حق الأول أن يحاذر المؤمنون إغضاب رسول الله بمخالفته فإنه إن دعا عليهم هلكوا لأن دعاء الرسول لا يرد فليس هو كدعاء غيره ، والثاني أن لا يدعوا الرسول باسمه يا محمد ويا أحمد بل عليهم أن يقولوا يا نبي الله ويا رسول الله ، والثالث أن لا يغلظوا في العبارة بل عليهم أن يلينوا اللفظ ويرققوا العبارة إكبارا وتعظيما لرسول الله صلىاللهعليهوسلم هذا ما تضمنه قوله تعالى : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً)
وقوله : (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِواذاً) أعلمهم تعالى أنه يعلم قطعا أولئك المنافقين الذين يكونون في أمر جامع مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيتسللون واحدا بعد آخر بدون أن يستأذنوا متلاوذين في هروبهم من المجلس يستر بعضهم بعضا ، وفي هذا تهديد بالغ
__________________
(١) إنما : أداة حصر ، وهي هنا كذلك ، فالمعنى أنه لا يتم ولا يكمل إيمان من آمن بالله ورسوله إلّا إذا كان من الرسول سامعا غير معنّت ، فلا يناقض للرسول في قول ولا عمل أبدا.
(٢) يريد : لا يصيحوا به من بعيد يا أبا القاسم ، بل يعظّموه ، شاهده من سورة الحجرات : (إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ).