(وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) : أي بليّة فالغني مبتلى بالفقير ، والصحيح بالمريض ، والشريف بالوضيع فالفقير يقول ما لي لا أكون كالغني والمريض يقول مالي لا أكون كالصحيح ، والوضيع يقول ما لي لا أكون كالشريف مثلا.
(أَتَصْبِرُونَ) : أي اصبروا على ما تسمعون ممّن ابتليتم بهم ، إذ الاستفهام للأمر هنا.
(وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) : أي بمن يصبر وبمن يجزع ولا يصبر.
معنى الآيات :
ما زال السياق الكريم في تقرير عقيدة البعث والجزاء بذكر مظاهر لها في القيامة إذ إنكار هذه العقيدة هو سبب كل شر وفساد في الأرض فقوله تعالى : (وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ (١) وَما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي اذكر يا رسولنا يوم يحشر الله المشركين وما كانوا يعبدونهم من دوننا كالملائكة والمسيح والأولياء والجن. (فَيَقُولُ) لمن كانوا يعبدونهم (أَأَنْتُمْ (٢) أَضْلَلْتُمْ عِبادِي هؤُلاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ؟) أي ما أضللتموهم ولكنهم ضلوا طريق الحق بأنفسهم فلم يهتدوا إلى عبادتي وحدي دون سواي. فيقول المعبودون (سُبْحانَكَ) أي تنزيها لك وتقديسا عن كل ما لا يليق بجلالك وكمالك (ما كانَ يَنْبَغِي لَنا أَنْ نَتَّخِذَ مِنْ دُونِكَ مِنْ أَوْلِياءَ) (٣) أي لا يصح منا اتخاذ أولياء من دونك فندعو عبادك إلى عبادتهم فنضلهم بذلك ، (وَلكِنْ مَتَّعْتَهُمْ) يا ربنا (وَآباءَهُمْ) من قبلهم بطول الأعمار وسعة الأرزاق فانغمسوا في الشهوات والملاذ (حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ) (٤) أي نسوا ذكرك وعبادتك وما جاءتهم به رسلك فكانوا بذلك قوما بورا أي هلكى خاسرين.
وقوله تعالى : (فَقَدْ (٥) كَذَّبُوكُمْ بِما تَقُولُونَ) (٦) يقول تعالى للمشركين فقد كذبكم من كنتم
__________________
(١) قرأ الجمهور : (نحشرهم) بالنون للعظمة ، و (يقول) بالياء وهو التفات من التكلم إلى الغيبة حسن. وقرأ حفص وغيره بالياء في (يَحْشُرُهُمْ) و (فَيَقُولُ) معا وقرأ بعض بالنون فيهما معا.
(٢) الاستفهام تقريري للاستنطاق والاستشهاد.
(٣) الأولياء جمع ولي بمعنى التابع فإن الولي يرادف المولى فيصدق على كلا طرفي الولاء أي : على السيد والعبد ، والناصر والمنصور والمراد هنا من الولي : التابع.
(٤) قيل : الذكر : القرآن ، وقيل : الشكر على الإحسان ، وما في التفسير أشمل.
(٥) الفاء الفصيحة إذ أفصحت على جواب شرط محذوف تقديره :
إن قلتم هؤلاء آلهتنا فقد كذبوكم بما تقولون ، وقد جاء التصريح بما يدل على القول المحذوف في قول عباس بن الأحنف.
قالوا خراسان أقصى ما يراد بنا |
|
ثم القفول فقد جئنا خراسانا |
(٦) قرأ الجمهور بالباء وقرأ حفص بالتاء : (تَقُولُونَ).