يَرْجُونَ لِقاءَنا) (١) وهم المكذبون بالبعث المنكرون للحياة الثانية بكل ما فيها من نعيم وعذاب (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ) أي هلا أنزل الله علينا الملائكة تشهد لمحمد بالنبوة (أَوْ نَرى (٢) رَبَّنا) فيخبرنا بأن محمدا رسوله وأن علينا أن نؤمن به وبما جاء به ودعا إليه. قال تعالى (لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٣) أي وعزتنا وجلالنا لقد استكبر هؤلاء المشركون المكذبون بالبعث في شأن أنفسهم ورأوا أنهم شيء كبير وعتوا أي طغوا طغيانا كبيرا في قولهم هذا الذي لا داعي إليه إلا الشعور بالكبر ، والطغيان النفسي الكبير ، وقوله (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ) أي الذين يطالبون بنزولهم عليهم ، وذلك يوم القيامة. لا بشرى يومئذ للمجرمين أي الذين أجرموا على أنفسهم فأفسدوها بالشرك والظلم الفساد : (وَيَقُولُونَ) أي وتقول لهم الملائكة (حِجْراً مَحْجُوراً) أي حراما محرما (٤) عليكم البشرى بل هي للمؤمنين المتقين.
وقوله تعالى (وَقَدِمْنا (٥) إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً (٦) مَنْثُوراً) أي وعمدنا إلى أعمالهم التي لم تقم على مبدأ الإيمان والإخلاص والموافقة للشرع فصيرناها هباء منثورا كالغبار الذي يرى في ضوء الشمس الداخل مع كوة أو نافذة لا يقبض باليد ولا يلمس بالأصابع لدقته وتفرقه فكذلك أعمالهم لا ينتفعون منها بشيء لبطلانها وعدم الاعتراف بها.
وقوله تعالى (أَصْحابُ الْجَنَّةِ) أي أهلها الذين تأهلوا لها بالإيمان والتقوى يومئذ أي يوم القيامة الذي كذب به المكذبون خير مستقرا أي مكان استقرار وإقامة وأحسن مقيلا (٧)
__________________
(١) (لِقاءَنا) أي : لا يخافون لقاءنا ولا يأملونه ولا يبالون به ، وهذا كلّه ناتج عن تكذيبهم بالبعث والدار الآخرة.
(٢) لما كانت الحياة الدنيا حياة ابتلاء امتنع أن يعطيهم ما طلبوا إذ لو أراهم الله تعالى نفسه أو أراهم ملائكته لآمنوا وبطل حينئذ التكليف الذي أقام تعالى عليه الحساب والجزاء مع أن رؤية الله لا يقدرون عليها لكن على فرض لو أقدرهم الله عليها.
(٣) العتو : أشد الكفر وأفحش الظلم.
(٤) حراما محرما أن يدخل الجنة إلّا من شهد أن لا إله إلا الله وأقام شرائع الله ، وكذلك الحال يوم القيامة لا بشرى يومئذ للمجرمين : ومن شواهد أنّ حجرا بمعنى محرما وحراما قول المتلمس :
حنّت إلى النخلة القصوى فقلت لها |
|
حجر حرام الا تلك الدهاريس |
الدهاريس : الدراهم.
(٥) (قَدِمْنا) : عمدنا قال الشاعر :
وقدم الخوارج والضلال |
|
إلى عباد ربهم فقالوا |
إن دماءكم لنا حلال |
(٦) تصغير هباء : هبي وواحده : هبأة ، وهمز في هباء لالتقاء الساكنين وجمع هباة : أهباء.
(٧) المقيل : الذي يؤوى إليه في وقت القيلولة للاستراحة فيه وفي الحديث : (قيلوا فإنّ الشياطين لا تقيل) وروي أن النبي صلىاللهعليهوسلم قيل له ما أطول هذا اليوم فقال صلىاللهعليهوسلم : (والذي نفسي بيده إنه ليخفف عن المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة المكتوبة يصليها في الدنيا).