بقوله (كَذلِكَ) (١) أي أنزلناه كذلك منجما ومفرقا لحكمة عالية وهي تقوية قلبك وتثبيته لأنه كالغيث كلما أنزل أحيا موات الأرض وازدهرت به ونزوله مرة بعد مرة أنفع من نزول المطر دفعة واحدة. وقوله تعالى : (وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) أي أنزله مرتلا أي شيئا فشيئا ليتيسر حفظه وفهمه والعمل به.
وقوله تعالى (وَلا يَأْتُونَكَ (٢) بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ (٣) تَفْسِيراً) هذا بيان الحكمة في نزول القرآن مفرقا لا جملة واحدة وهو أنهم كلما جاءوا بمثل أو عرض شبهة ينزل القرآن الكريم بإبطال دعواهم وتفنيد كذبهم ، وإلغاء شبهتهم ، وإحقاق الحق في ذلك وبأحسن تفسير لما اشتبه عليهم واضطربت نفوسهم فيه وقوله تعالى (الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضَلُ (٤) سَبِيلاً) أي أولئك المنكرون للبعث المقترحون نزول القرآن جملة واحدة هم الذين يحشرون على وجوههم تسحبهم الملائكة على وجوههم إلى جهنم لأنهم مجرمون بالشرك والتكذيب والكفر والعناد. أولئك البعداء شر مكانا يوم القيامة ، وأضل سبيلا في الدنيا ، إذ مكانهم جهنم ، وسبيلهم الغواية والضلالة والعياذ بالله من ذلك.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ شهادة الرسول صلىاللهعليهوسلم على من هجروا القرآن الكريم فلم يسمعوه ولم يتفهموه ولم يعملوا به ، وشكواه إياهم إلى الله عزوجل.
٢ ـ بيان سنة الله في العباد وهي أنه ما من نبي ولا هاد ولا منذر إلا وله عدوّ من الناس وذلك لتعارض الحق مع الباطل ، فينجم عن ذلك عداء لازم من أهل الباطل لأهل الحق.
٣ ـ بيان الحكمة في نزول القرآن منجما شيئا فشيئا مفرقا.
٤ ـ بيان أن المجرمين يحشرون على وجوههم لا على أرجلهم إلى جهنم إهانة لهم وتعذيبا.
__________________
(١) جائز أن يكون كذلك من كلام المشركين : أي : لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك أي : كالتوراة والإنجيل فيتم الوقف على كذلك ثم يبتدىء (لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ) وما في التفسير أولى.
(٢) هذا كقولهم : (إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَراهُ) وقولهم : (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) وقولهم : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ) وقولهم (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) وقولهم : (لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً) كل هذا الذي قالوه ردّ عليهم وأبطله بالحجج القوية فأسكتهم وأبطل دعاويهم.
(٣) أي : بما يقطع حجتهم ويلقمهم الحجر فلا يستطيعون الرد أو القول.
(٤) (سَبِيلاً) منصوب على التمييز المحول عن فاعل ، أي : ضلّت سبيلهم.