سياسية بحتة وأن موسى يريد الاستيلاء على الحكم والبلاد ويطرد أهلها منها بواسطة السحر ، وقال لهم كالمستشير لهم (فَما ذا تَأْمُرُونَ؟) فأشاروا عليه بما أخبر تعالى به عنهم (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ) أي أخر أمرهما (وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ) أي مدن المملكة رجالا (حاشِرِينَ) أي جامعين (يَأْتُوكَ) أيها الملك (بِكُلِّ سَحَّارٍ (١) عَلِيمٍ) أي ذو خبرة في السحر متفوقة ، وفعلا أخذ بمشورة رجاله (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) أي لموعد معلوم وهو ضحى يوم العيد عندهم واستحثوا الناس على الحضور من كافة أنحاء البلاد وهو ما أخبر تعالى به في قوله (قالُوا أَرْجِهْ وَأَخاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ فَجُمِعَ (٢) السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ لَعَلَّنا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ) فنبقى على ديننا ولا نتبع موسى وأخاه على دينهما الجديد (إِنْ كانُوا) أي السحرة (هُمُ الْغالِبِينَ) وهذا من باب الاستحثاث والتحريض على الالتفات حول فرعون وملائه. وقوله تعالى (فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ) أي من كافة أنحاء البلاد قالوا لفرعون ما أخبر تعالى به عنهم (أَإِنَّ لَنا لَأَجْراً) (٣) أي جعلا (إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغالِبِينَ؟) فأجابهم فرعون قائلا (نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذاً لَمِنَ (٤) الْمُقَرَّبِينَ) أي زيادة على الأجر مكافأة أخرى وهي أن تكونوا من المقربين لدينا ، وفي هذا إغراء كبير لهم على أن يبذلوا أقصى جهدهم في الانتصار على موسى عليهالسلام.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ إثبات المعجزات للأنبياء كمعجزة العصا واليد لموسى عليهالسلام.
٢ ـ مشروعية استشارة الأمير رجاله في الأمور ذات البال.
٣ ـ ثبوت السحر وأنه فن من فنون المعرفة وإن كان تعلمه وتعليمه محرمين
٤ ـ إعطاء المكافأة للفائزين في المباراة وغيرها ومن ذلك السباق في الإسلام.
__________________
(١) (سَحَّارٍ) فيه وصف ثابت دال على تعاطيه للمهنة ورسوخه فيها كنجار وخياط وبناء والوصف بعليم : فيه الحث على الإتيان بالمهرة من السحرة لعظم الموقف.
(٢) دلت الفاء على الفورية واللام كذلك في الميقات أي : لأوّل الوقت كقوله : (الصلاة لوقتها) أي : في أول وقتها ، وقوله (لِلنَّاسِ) المراد بالناس أهل بلاده ، والاستفهام في (هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ) للاستحثاث على الاجتماع.
(٣) سؤال السحرة الأجر إدلال بخبرتهم والتذكير بالحاجة إليهم لعلمهم بأن فرعون حريص على غلبهم لموسى ، وخافوا أيضا أن يستخدمهم فرعون بدون أجر لأنّ الحال حال التعبئة العامة للدفاع عن المعتقدات وأهلها فلذا شرطوا أجرهم قبل الشروع في العمل.
(٤) (إِذاً) أي : إذا كنتم فعلا غالبين إنّ لكم لأجرا عظيما.