معنى الآيات :
هذه بداية قصص شعيب عليهالسلام مع أصحاب الأيكة والأيكة الشجر الملتف كشجر الدوم وهذه الغيضة قريبة من مدينة مدين وشعيب أرسل لهما معا وفي سورة هود (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) لأنه منهم ومن مدينتهم فقيل له أخوهم ، وأما أصحاب الأيكة جماعة من بادية مدين كانت لهم أيكة من الشجر يعبدونها تحت أي عنوان كعبدة الأشجار والأحجار في كل زمان ومكان ، فبعث الله تعالى إليهم شعيبا فدعاهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة ما سواه فكذبوه وهو قوله تعالى (كَذَّبَ أَصْحابُ) (١) (الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ) (٢) (أَلا تَتَّقُونَ) (٣) أي اتقوا الله وخافوا عقابه (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) فاتقوا الله بعبادته وترك عبادة ما سواه وأطيعون أهدكم الى ما فيه كمالكم وسعادتكم (وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) أي على بلاغ رسالة ربي إليكم أجرا أي جزاء وأجرة (إِنْ أَجْرِيَ) أي ما أجري إلا على رب العالمين. وأمرهم بترك أشهر معصية كانت شائعة بينهم وهي تطفيف الكيل والوزن فقال لهم (أَوْفُوا الْكَيْلَ) أي أتموها ولا تنقصوها (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ) أي الذين ينقصون الكيل والوزن (وَزِنُوا) أي إذا وزنتم (بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ) أي بالميزان العادل ، (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) (٤) أي لا تنقصوهم من حقوقهم شيئا فما يساوي دينارا لا تعطوا فيه نصف دينار وما يساوي عشرة لا تأخذوه بخمسة مثلا ومن أجرته اليومية عشرون لا تعطوه عشرة مثلا ، (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي ولا تفسدوا في البلاد بأي نوع من الفساد كالقتل والسلب ومنع الحقوق وارتكاب المعاصي والذنوب (وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ) أي الله فخافوا عقابه (وَالْجِبِلَّةَ (٥) الْأَوَّلِينَ) أي وخلق الخليقة من قبلكم
__________________
(١) الأيكة وليكة بمعنى واحد كمكة وبكة ، وقيل : الأيكة : الشجر الملتف أي الغليظة وليكة : وهي قراءة نافع. اسم للبلدة ومنعها من الصرف ومن قرأ الأيكة صرفها ، والراجح أنها بمعنى واحد ، وعدم الصرف لانعدام ال لا غير.
(٢) لم يقل : أخاهم شعيبا : لأنه لا قرابة بينهم بخلاف أهل مدين فهو من أهلها فلذا قال تعالى : (وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً) وأصحاب الأيكة أي بادية وهي الشجر الملتف فلذا يقال له الغيضة وكان من شجر الدوم وهو المقل والسدر وثماره النبق.
(٣) الاستفهام للحض على التقوى والإنكار عليهم عبادة غير الله تعالى. وجملة (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) تعليلية لأمره إيّاهم بالتقوى وفي (لَكُمْ) إشارة إلى أن رسالته إليهم عارضة وكانت بعد رسالته إلى أهل مدين ، فلعلهم أنكروا أن يكون أرسل إليهم فلذا قال : (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ) وفي آية الحجر قال تعالى (وَإِنَّهُما لَبِإِمامٍ مُبِينٍ) والتثنية في إنهما إشارة إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين ، ولما جاء العذاب أخذ الكل لأن ذنبهم واحد وقرب المنازل والديار.
(٤) الظاهر من السياق أن ذنب أصحاب الأيكة وأهل مدين كان واحدا الشرك والتطفيف والبخس للناس فلذا أدمج خطابهم فصاروا فيه أمة واحدة.
(٥) الجبلّة : الخلقة وأريد بها المخلوقات ولذا قال : (الأولى) أي : وذوي الجبلة الأولى والمعنى خلقكم وخلق الأمم من قبلكم.