معنى الآيات :
ما زال السياق في المكذبين للنبي المطالبين بنزول الملائكة لتشهد للرسول بنبوته حتى يؤمنوا بها. قال تعالى : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ) (١) أي التكذيب في قلوب المجرمين من قومك ، كما سلكناه حسب سنتنا في قلوب من كذبوا الرسل من قبلك فسلكه (فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) من قومك فلا يؤمنون بك ولا بالذكر الذي أنزل عليك. وقوله تعالى : (وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) (٢) أي مضت وهي تعذيب المكذبين للرسل المستهزئين بهم لأنهم لا يؤمنون حتى يروا العذاب الأليم. وقوله تعالى : (وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ (٣) باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا) أي الملائكة أو المكذبون (فِيهِ) أي في ذلك الباب (يَعْرُجُونَ) أي يصعدون طوال النهار طالعين هابطين ولقالوا في المساء (إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا) أي منعت من النظر الحقيقي فلم نر الملائكة ولم نرى السماء (بَلْ نَحْنُ) (٤) (قَوْمٌ مَسْحُورُونَ) فأصبحنا نرى أشياء لا حقيقية لها ، وقوله تعالى : (وَلَقَدْ (٥) جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي كواكب (٦) هي منازل للشمس والقمر ينزلان بها وعلى مقتضاها يعرف عدد السنين والحساب. وقوله : (زَيَّنَّاها) أي السماء بالنجوم (لِلنَّاظِرِينَ) فيها من الناس. وقوله : (وَحَفِظْناها) أي السماء الدنيا (مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) أي مرجوم ملعون. وقوله : (إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ) إلا مارد من الشياطين طلع إلى السماء لاستراق السمع من الملائكة لينزل بالخبر إلى وليه من الكهان من الناس (فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ) من نار (مُبِينٌ) أي يبين أثره في الشيطان إما بإخباله وإفساده وإما بإحراقه. هذه الآيات وهي قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا
__________________
(١) عود الضمير في (نَسْلُكُهُ) على القرآن أولى إذ السياق تابع لقوله : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وقوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ) أي : أرسل فيهم رسلا وكانوا يتلون عليهم آياتنا ولم ينتفعوا لإعراضهم عنها فلا تعيها قلوبهم ولا تدركها فهو مهم ، ولا يتأثرون بها لوجود حوائل حالت دون ذلك ، وهي الكبر والحسد والعناد وكذلك المسلك الذي سلكناه في قلوب الأولين نسلكه اليوم في قلوب المجرمين فيدخل القرآن عند سماعه إلى قلوبهم ولا يلامسها ولا يباشرها فلا تتأثر به وذلك لحوائل منها الحسد والعناد والكبر ، وتلك سنّة الله تعالى في أمثالهم ، وأصل السلك : إدخال الشيء في آخر.
(٢) في الآية تعريض للمجرمين بالهلاك.
(٣) هذه الآية كقوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ).
(٤) أي : أضربوا عن القول الأوّل. وهو قولهم : إنّما سكّرت أبصارنا إلى قولهم بل نحن قوم مسحورون. أي ما رأينا شيئا ثم أقرّوا بأنهم رأوا ولكن ما رأوه إنما هو تخيلات المسحور لا غير.
(٥) هذا شروع في ذكر مظاهر قدرة الله وعلمه وحكمته الموجبة للتوحيد والمقررة للبعث والجزاء.
(٦) هذا كقوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً) أي : كواكب.