بقوله : (وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ) (١) أي أعلن لقومك بأنك النذير البين النذارة لكم يا قوم أن ينزل بكم عذاب الله إن أصررتم على الشرك والعناد والكفر ، وقوله : (كَما أَنْزَلْنا عَلَى الْمُقْتَسِمِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ) (٢) انذركم عذابا كالذي أنزله الله وينزله على المقتسمين الذين قسموا التوراة والإنجيل فآمنوا ببعض وكفروا ببعض وهم اليهود والنصارى ، والمقتسمين الذين تقاسموا أن يبيتوا صالحا فأنزل الله بهم عقوبته والمقتسمين الذين جعلوا القرآن عضين أي أجزاء فقالوا فيه شعر وسحر وكهانة ، المقتسمين الذين قسموا طرق مكة وجعلوها نقاط تفتيش يصدون عن سبيل الله كل من جاء يريد الإسلام وهؤلاء كلهم مقتسمون وحل بهم عذاب الله ونقمته. وقوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣) يقسم الجبار تبارك وتعالى لرسوله أنه ليسألنهم يوم القيامة عما كانوا يعملون ويجزيهم به فلذا لا يهولنّك أمرهم واصبر على أذاهم. وقوله (فَاصْدَعْ (٤) بِما تُؤْمَرُ) أي أجهر بدعوة لا إله إلا الله محمد رسول الله ، وما تؤمر ببيانه والدعوة إليه أو التنفير منه ، (وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) ولا تبال بهم ، وقوله : (إِنَّا كَفَيْناكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) والمراد بهؤلاء المستهزئين الذين واعد تعالى بكفاية رسوله شرّهم الوليد بن المغيرة والعاص بن وائل ، وعدي بن قيس ، والأسود بن عبد يغوث كلهم ماتوا بآفات مختلفة في أمد يسير ، عليهم لعائن الله تعالى. وقوله تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) أي من الاستهزاء بك والسخرية ، ومن المبالغة في الكفر والعناد فنرشدك إلى ما يخفف عنك الألم النفسي (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي قل سبحان الله وبحمده أي أكثر من هذا الذكر (وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) أي المصلين إذ لا سجود إلا في الصلاة أو تلاوة القرآن (٥) ، إذا فافزع عند الضيق إلى الصلاة
__________________
(١) في الكلام حذف ، وهو لفظ عذابا. فحذف المفعول لدلالة لفظ النذير عليه أو لكون الكاف في قوله (كَما أَنْزَلْنا) زائدة ويصحّ التقدير هكذا : أنا النذير المبين ما أنزلنا على المقتسمين أي : من العذاب.
(٢) واحد : (عِضِينَ) عضة من عضيت الشيء تعضيه أي : فرقته وكل فرقة عضة ، وقيل : أصلها عضوة ، فسقطت الواو ، ولذا جمعت على عضين كعزين ، إذ واحدها عزوة ، وذلك أنهم فرقوا كلام الله فجعلوا بعضه سحرا وبعضه شعرا و.. و..
(٣) وورد أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : في قوله تعالى : (فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ ..) إلى قوله (يَعْمَلُونَ) قال : (عن قول لا إله إلا الله ، إذ أبوا أن يقولوها فتمادوا في الكفر والشرّ والفساد ولو قالوا لما كان لهم سوى الخير والصلاح.
(٤) قضى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فترة من الزمن مستخفيا هو وأصحابه في دار الأرقم حتى نزلت هذه الآية : (فَاصْدَعْ بِما تُؤْمَرُ) فخرج صلىاللهعليهوسلم وأعلن الإسلام ودعا إليه جهرة.
(٥) قيل : إنّ هذه سجدة من سجدات القرآن ، والجمهور على أنها ليست سجدة وإنما أرشد الله تعالى رسوله لتفريج همّه وتوسعة صدره مما يسمع ويقال له أمره بالتسبيح والصلاة وفعلا كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.