والشر وتفرقون بينهما وقوله عليهالسلام (إِنَّما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) يخبرهم معرفا لهم بخطئهم فيقول (إِنَّما تَعْبُدُونَ (١) مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً) أي أصناما (٢) وتماثيل وعبادة الأصنام والأوثان عبادة باطلة لا تجلب لكم نفعا ولا تدفع عنكم ضرا. إن الذي يجب أن يعبد الله الخالق الرازق الضار النافع المحيي المميت السميع البصير. أما الأوثان فلا شيء في عبادتها إلا الضلال واتباع الهوى. وقوله لهم (وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً) أي وتصنعون كذبا تختلقونه اختلاقا عندما تقولون في التماثيل والاصنام إنها آلهة. وقوله عليهالسلام لقومه (إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً) يخبرهم عليهالسلام معرفا لهم بحقيقة هم عنها غافلون وهي أن الذين يعبدونهم من دون الله لا يملكون لهم رزقا لأنهم لا يقدرون على ذلك فما الفائدة إذا من عبادتهم وما الحاجة الداعية إليها لو لا الغفلة والجهل ، ولما أبطل لهم عبادة الأصنام أرشدهم إلى عبادة الله الواحد القهار فقال (فَابْتَغُوا عِنْدَ اللهِ الرِّزْقَ) إن كنتم عبدتم الأصنام لذلك فإن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فاطلبوا عنده الرزق فإنه مالكه والقادر على إعطائه (وَاعْبُدُوهُ) بالإيمان به وبرسوله وبتوحيده (وَاشْكُرُوا (٣) لَهُ) يرزقكم ويحفظ عليكم الرزق وقوله (إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ذكّرهم بعلة غفلتهم ومصدر جهلهم وهي كفرهم بالبعث فأعلمهم أنهم إليه تعالى لا إلى غيره يرجعون. إذا فليتعرفوا إليه ويعبدوه طلبا لرضاه واكرامهم يوم يلقونه. وقوله تعالى (وَإِنْ تُكَذِّبُوا) أي يا أهل مكة رسولنا وتنكروا وحينا وتكفروا بلقائنا فلستم وحدكم في ذلك. (فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ) قوم نوح وعاد وفرعون وقوم إبراهيم وأصحاب مدين وغيرهم (وَما عَلَى الرَّسُولِ) (٤) أي رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم إلا البلاغ المبين وقد بلغكم وأنتم الآن بين خيارين لا ثالث لهما : الأول أن تتعظوا بما أسمعناكم وأريناكم من آياتنا فتؤمنوا وتوحدوا وتطيعوا فتكملوا وتسعدوا وإما أن (٥) تبقوا على إصراركم على الشرك والكفر والعصيان فسوف يحل بكم ما حل بأمثالكم ، إذ كفاركم ليسوا بخير من كفار أولئكم الذين انتقم الله منهم وأذاقهم سوء العذاب. هذا ما دلت عليه الآية (١٨) وهي معترضة بين الآيات التي اشتملت على قصص
__________________
(١) (إِنَّما) : ما : كافة أوثانا منصوب ب (تَعْبُدُونَ).
(٢) قال أبو عبيدة : الصنم ما يتخذ من ذهب أو فضة أو نحاس والوثن ما اتخذ من حصى أو حجارة.
(٣) سلك ابراهيم في دعوة قومه هذه سبيل الاستدلال بالنعم الحسية لأنّ إثباتها أقرب إلى أذهان العوام ، وعدى الشكر باللام لما تفيده اللام من الاختصاص أي : الاستحقاق.
(٤) القصد من هذه الجملة : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) إعلام المخاطبين بأن تكذيبهم لا يلحقه منه ما فيه نكاية به أو تشفّ منه ، فإن كان من خطاب الله تعالى لقريش فالمراد من الرسول محمد صلىاللهعليهوسلم ، وإن كان من كلام إبراهيم ، فالمراد به إبراهيم نفسه سلك فيه مسلك الإظهار في مقام الإضمار تنويعا للأسلوب.
(٥) أي : والثاني : أن تبقوا على إصراركم أعني الخيار الثاني بعد الأول.