وذلك جزاء لكل كفور. فقال تعالى (لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ (١) آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمالٍ) أي لقد كان لأولاد سبأ وهم الأزد والأشعريون وحمير وكندة ومذحج وأنمار ، ومن أنمار جنعم وبجيلة ومن أولاد سبأ اربعة سكنوا في الشام وهم لخم وجدام وغسان ، وعاملة وأبوهم سبأ هو سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان. وقوله تعالى (فِي مَسْكَنِهِمْ) أي في مساكنهم (آيَةٌ) أي علامة على قدرة الله وإفضاله على (٢) عباده وهي جنتان عن يمين وشمال الوادى أي جنتان عن يمين الوادى وأخرى عن شماله كلها فواكه وخضر ، تسقى بماء سد مأرب. كلوا من رزق ربكم أي قلنا لهم كلوا من رزق ربكم واشكروا له أي هذا الإنعام بالإيمان به وبرسله وطاعته وطاعة رسله. وقوله (بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ) أي هذه بلدة طيبة وهي صنعاء اليمن مناخها طيب وتربتها طيبة لا يوجد بها وباء ولا هوام ولا حشرات كالعقارب ونحوها ، (وَرَبٌّ غَفُورٌ) (٣) يغفر ذنوبكم متى أذنبتم وتبتم واستغفرتم. ولكن أبطرتهم هذه النعم فكفروها ولم يشكروا كما قال تعالى (فَأَعْرَضُوا) بأن كذبوا رسل الله إليهم وعصوا الله ورسله فانتقم الله منهم لإعراضهم وعدم شكرهم كما هى سنته في عباده. قال تعالى (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ) وذلك بأن خرب السد ، وذهبت المياه وماتت الأشجار وأمحلت الأرض ، وتبدلت قال تعالى : (وَبَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ) أي مر بشع وهو شجر الأراك وأثل وهو الطرفاء ، وشيء من سدر قليل. هذا جزاء من أعرض عن ذكر الله وفسق عن أمره وخرج عن طاعته. قال تعالى (ذلِكَ) أي الجزاء (جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا) بسبب كفرهم وقوله : (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٤) أي وهل نجازى بمثل هذا الجزاء وهو تحويل النعمة الي نقمة غير الكفور.
وقوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَيْنَهُمْ (٥) وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها) وهي مدن الشام (قُرىً ظاهِرَةً) أي مدنا ظاهرة على المرتفعات من الأرض ، وذلك من صنعاء عاصمتهم إلى الشام قرابة أربعة آلاف وسبعمائة قرية أي مدينة ، وقوله (وَقَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ) أي يجعل المسافات بين كل مدينة ومدينة متقاربة بجيث يخرج المسافر بلا زاد من ماء أو طعام فلا يقيل الا في مدينة ويخرج بعد
__________________
(١) قرأ نافع مساكنهم بالجمع وقرأ حفص بالإفراد (مَسْكَنِهِمْ) وجمعه مساكن.
(٢) إذ لو اجتمعت البشرية كلها على اخراج شجرة من خشبة يابسة لما استطاعت فكيف بأنواع النوار وألوانه واختلاف طعومه وروائحه وأزهاره.
(٣) في الآية اشارة إلى أن الذنب ملازم للإنسان لا يعصم منه إلا من أراد الله عصمته كأنبيائه ، ولذا أعلمهم أن المنعم بهذه النعم رب غفور يغفر ذنب عباده إذا تابوا إليه فدعاهم بهذا الى التوبة وأن الذنب مع التوبة لا يسبب الهلاك العام أو سلب النعم ما دام هناك توبة تعقب الذنب.
(٤) قرأ حفص (وَهَلْ نُجازِي) بنون العظمة والبناء للفاعل والكفور مفعول به منصوب وقرأ نافع والجمهور وهل يجازى بياء الغيبة مضمومة والفعل مبني للمفعول والكفور نائب فاعل والمعنى ما يجازى ذلك الجزاء إلا الكفور أي الشديد الكفر عظيمه.
(٥) هذه الآية والتي بعدها ذكرتا تتميما للقصة.