كتضييقه عائد إلى تربية الناس بالسراء والضراء امتحانا وابتلاء. وقوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) يخبر تعالى المشركين المغترين بالمال والولد يقول لهم وما أموالكم ولا أولادكم بالحال التى تقربكم منا وتجعلنا نرضى عنكم وندنيكم منا زلفى أي قربى. (إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) أي لكن من فعلوا الواجبات والمندوبات (فَأُولئِكَ) أي المذكورون لهم جزاء الضعف (١) ، أي جزاء تضاعف لهم حسناتهم فيه ، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ، وذلك بسبب عملهم الصالحات (وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ) أي غرفات الجنة آمنون من الموت ومن كل مكروه ومنغص لسعادتهم.
وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ) يخبر تعالى أن الذين يعملون بجد وحرص في إبطال آياتنا وإطفاء نور هدايتنا في كتابنا وقلوب عبادنا المؤمنين ويظنون أنهم معجزون لنا أي فائتوننا لا ندركهم ولا نعاقبهم هؤلاء المغرورون في العذاب محضرون أي كأنك بهم وهم محضرون في جهنم يعذبون فيها أبدا.
فقوله تعالى : (قُلْ إِنَّ رَبِّي) أي قل يا رسولنا مرة أخرى تقريرا لهذه الحقيقة العلمية التي خفيت على الناس وجهلها قومك وهي أن الله يبسط الرزق لمن يشاء امتحانا لا حبا فيه ولا بغضا له. وإنما امتحانا له هل يشكر أو يكفر فإن شكر زدناه وأكرمناه وان كفر سلبناه ما أعطيناه وعذبناه ، (وَيَقْدِرُ لَهُ) أي لمن شاء من عباده ابتلاء له لا بغضا له ولا حبا فيه. وإنما لننظر هل يصبر على الابتلاء أو يسخط ويضجر فنزيد في بلائه وشقائه .. وقوله تعالى : (وَما أَنْفَقْتُمْ (٢) مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) في هذا دعوة إلى الإنفاق في سبيل الله وتشجيع عليه بإعلام الناس أن الإنفاق لا ينقص المال والبخل به لا يزيده فان التوسعة كالتضييق لحكمة فلا البخل يزيد في المال ولا الإنفاق في سبيل الله ينقص منه. وختم هذا بوعده الصادق وهو أن من انفق في سبيل الله شيئا أخلفه الله عليه وهو تعالى خير من قيل إنه يرزق ووصف به.
هداية الآيات
من هداية الآيات :
١ ـ بيان سنة الله في الأمم والشعوب وأنهم ما أتاهم من رسول إلا كفر به الأغنياء والكبراء.
٢ ـ بيان اغترار المترفين بما آتاهم الله من مال وولد ظانين ان ذلك من رضا الله تعالى عليهم.
__________________
(١) الضعف بمعنى المضاعف المكرر مرة وأكثر حتى يبلغ أضعافا مضاعفة إلى سبعمائة ضعف وهي سنة الانفاق في الجهاد.
(٢) من في قوله (مِنْ شَيْءٍ) بيانية وجملة فهو يخلفه جواب الشرط وجملة وهو خير الرازقين تذييل للكلام يحمل معنى الترغيب في الإنفاق في سبيل الله وفي الحديث الصحيح يا ابن آدم أنفق أنفق عليك ، وما من يوم تطلع فيه الشمس إلا وملكان ينزلان يقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم اعط ممسكا تلفا «فى الصحيح».