غيره وهو ربكم ورب العالمين.
(فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ) : أي إيهاما لهم إذ كانوا يؤلهون النجوم.
(فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ) : أي عليل أي ذو سقم وهو المرض والعلة.
(فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ) : أي رجعوا إلى ما هم فيه وتركوه قابلين عذره.
(فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ) : أي مال إليها خفية.
(فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بِالْيَمِينِ) : أي بقوة يمينه فكسرها بفأس وحطمها.
(فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ) : أي يمشون بقوة وسرعة.
(ما تَنْحِتُونَ) : من الحجارة والأخشاب والمعادن كالذهب والفضة.
(وَما تَعْمَلُونَ) : أي وخلق ما تعبدون من أصنام وكواكب.
(قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً) : واملأوه حطبا وأضرموا فيه النار فإذا التهب ألقوه فيه.
(فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ) : أي المقهورين الخائبين في كيدهم إذ نجّى الله ابراهيم.
معنى الآيات :
لما ذكر تعالى قصة نوح مقررا بها نصرة أوليائه وخذلان أعدائه ذكر قصة أخرى هي قصة ابراهيم وهي أكبر موعظة لكفار قريش لأنهم ينتمون إلى إبراهيم ويدّعون أنهم على ملته وملة ولده اسماعيل فلذا أطال الحديث فيها فقال سبحانه وتعالى (وَإِنَّ مِنْ (١) شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ) أي وإن من أشياع نوح الذين هم على ملته ومنهجه ابراهيم خليل الرحمن (إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) أي إذ أتى (٢) ربّه بقلب سليم من الشرك والشك والالتفات إلى غير الربّ تعالى في الوقت الذي (قالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ما ذا تَعْبُدُونَ) ، منكرا عليهم عبادة الأصنام فلو كان في قلبه أدنى التفاتة إلى غيره طمعا أو خوفا ما أمكنه أن يقول الذي قال بل كان في تلك الساعة سليم القلب ليس فيه نظر لغير الله تعالى وقوله (أَإِفْكاً (٣) آلِهَةً دُونَ اللهِ تُرِيدُونَ) أي أكذبا هو أسوأ الكذب تريدون آلهة غير الله حيث جعلتموها بكذبكم بألسنتكم آلهة وهي أحجار وأصنام. وقوله (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) وقد عبدتم الكذب دونه إذ آلهتكم ما هي إلا كذب بحت. أترون أن الله لا يسخط عليكم ولا
__________________
(١) وقيل هاء الضمير عائدة إلى محمد صلىاللهعليهوسلم ليكون المعنى وإن من شيعة محمد إبراهيم وهو حقا من شيعته ولكن السياق يأباه بل المراد نوح عليهالسلام.
(٢) قيل في مجيئه ربه (بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) إما أن يكون عند دعائه إلى توحيده ، أو عند إلقائه في النار.
(٣) الاستفهام إنكاري إذ هو أنكر على قومه عبادة وتأليه غير الله تعالى ، وقوله (فَما ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ) استفهام متفرغ عما قبله وهما للإنكار الأول والثاني. فالأول انكر عليهم اتخاذهم آلهة دونه تعالى والثاني انكر عليهم سوء ظنهم بالله حتى عبدوا آلهة غيره.