تعالى : (ما يُقالُ لَكَ) (١) يا رسولنا من الكذب عليك والتكذيب لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك. وقوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ) أي لمن تاب فلذا لا يتعجل بإهلاك المكذبين رجاء أن يتوبوا ويؤمنوا ويوحدوا ، (وَذُو عِقابٍ أَلِيمٍ) أي موجع شديد لمن مات على كفره.
وقوله تعالى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا) أي كما اقترح بعض المشركين ، (لَقالُوا : لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي هلّا بينت لنا حتى نفهمها ، ثم قالوا : (ءَ أَعْجَمِيٌ) (٢) (وَعَرَبِيٌ) أي أقراآنا عجمي (٣) ونبي عربي مستنكرين ذلك متعجبين منه وكل هذا من أجل الإصرار على عدم الإيمان بالقرآن الكريم والنبي الكريم وتوحيد الرب الكريم.
ولما علم تعالى ذلك منهم أمر رسوله أن يقول لهم قل هو أي القرآن الكريم هدى وشفاء (٤) هدى يهتدي به إلى سبل السعادة والكمال والنجاح ، وشفاء من أمراض الشك والشرك والنفاق والعجب والرياء والحسد والكبر ، والذين لا يؤمنون بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا هو أي القرآن في آذانهم وقر أي حمل ثقيل أولئك ينادون من مكان بعيد ولذا فهم لا يسمعون ولا يفهمون.
هذه تسلية وأخرى في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) أي التوراة فاختلفوا فيه فمنهم المصدق ومنهم المكذب ، ومنهم العامل بما فيه المطبق ومنهم المعرض عنه المتبع لهواه وشيطانه الذي أغواه وقوله تعالى (وَلَوْ لا كَلِمَةٌ) (٥) (سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) فيما اختلفوا فيه لحكم لأهل الصدق بالنجاة وأهل الكذب بالهلاك والخسران وقوله : (وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) أي من القرآن مريب أي موقع في الريبة وذلك من جراء محادته والمعاندة والمجاحدة ، وقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) وهذه تسلية أعظم فإن من عمل صالحا في حياته بعد الإيمان فإن جزاءه قاصر عليه ينتفع به دون سواه ، (وَمَنْ أَساءَ) أي عمل السوء وهو ما يسوء النفس من الذنوب والآثام فعلى نفسه عائد. سوءه الذي عمله ولا يعود على غيره ، وأخرى في قوله تعالى (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) (٦) أي ليس هو تعالى بذي ظلم لعباده. فقوله تعالى (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ) عائد ذلك (وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها) أي عائد الإساءة إن فيه لتسلية لكل من أراد أن يتسلى ويصبر.
__________________
(١) الجملة مستأنفة استئنافا بيانيا فهي جواب لسؤال يثيره قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آياتِنا) الخ.
(٢) في الآية إشارة واضحة إلى عموم رسالته صلىاللهعليهوسلم.
(٣) معنى (قُرْآناً) كتابا مقروءا إذ ورد في الحديث الصحيح تسمية الزبور قرآنا بمعنى يقرأ ويكتب إذ قال صلىاللهعليهوسلم «إن داود يسر له القرآن فكان يقرأ القرآن كله «الزبور» في حين يسرج له فرسه.
(٤) حقيقة الشفاء زوال المرض وهو هنا مستعار للبصارة بالحقائق وانكشاف الالتباس من النفس كما يزول المرض عند حصول الشفاء.
(٥) فيه تسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم على تكذيب المشركين وكفرهم بالقرآن بأنه ليس بأوحد في ذلك فقد أوتي موسى الكتاب فاختلف فيه بالتصديق والتكذيب والعمل والترك.
(٦) المراد بنفي الظلم من الله للعبيد أنه لا يعاقب من ليس منهم بمجرم ، لأنه تعالى لما وضع الشرائع وأرسل الرسل صار ذلك قانونا فمن تعداه مهملا له معرضا عنه فقد استوجب العذاب وتعذيبه عدل وليس بظلم.