وأمّا تقرير ما يتمسّك به كلّ فريق والاشتغال بتزييفه وإبطاله فممّا يخرج عن الغرض فيما نحن بصدده ، غير أنّه عند تحقيق الحقّ يزهق الباطل.
فنقول : الإمامة واجبة عقلا وسمعا ؛ أمّا العقل فمن وجهين :
الأوّل : نصب الإمام إمّا أن يكون خيرا محضا أو الخير فيه أغلب ، أو شرّا محضا أو الشرّ فيه أغلب ، أو متساويين والأقسام الثلاثة الأخيرة باطلة لما يعلم بالضرورة بعد تصفح أحوال الخلق وعاداتهم أنّه متى كان بينهم رئيس منبسط اليد قوي الشوكة ، يردع ظالمهم وينصر مظلومهم ، ويحثّهم على الواجبات ويكفّهم عن المحرمات ، كانوا إلى الصلاح أقرب وعن الفساد أبعد ، وإذا لم يكن بينهم مثل هذا الرئيس كان حالهم بالعكس ، وفطرة العقل شاهدة بما ذكرنا ، وإذا كان الأمر كذلك لم يمكن أن يقال الشر في هذه الحالة مساو للخير فضلا عن القسمين الأخيرين فبقي أن يقال أنّها خير أو الخير فيه غالب ، وأيّما كان فهي تفيد المطلوب.
أمّا الأوّل : فلأنّ ذات الله تعالى فيّاضة بالخيرات ، لا توقف لها في إفاضة الخيرات على أمر غير ذاتها ، فكان إيجادها لمثل هذا الخير المحض واجبا.
وأمّا الثاني : فهو أيضا كذلك ، فأمّا كونها مشتملة على شيء من الشرور فلا يضرّ في وجوب وجودها ، لأنّ ترك الخير الكثير لأجل الشرّ القليل شرّ كثير في الجود والحكمة.
فيثبت بما قرّرناه أنّ نصب الإمام واجب من الله تعالى ، وهو المطلوب.
لا يقال (١) : لم قلتم بأنّ الأقسام الثلاثة باطلة ، قوله : «لأنّ الخلق إذا كان لهم رئيس يأمرهم بالواجبات كانوا إلى الصلاح أقرب ومن الفساد أبعد» قلنا :
__________________
(١) سيأتي الجواب عن هذا القول والإشكال بعنوان : الجواب عن الأوّل.