يدعي هذا مطلقا في كلّ وقت أو في بعض أوقات دون البعض؟ والثاني مسلّم ، والأوّل ممنوع ، فلم قلتم : إنّه كذلك؟! وبتقدير أن لا يكون كذلك لم يكن الخير فيها أغلب. سلّمنا ولكنّه معارض ، بما أنّ نصب الإمام يتضمّن الإضرار بالخلق ، وحينئذ يكون شرا محضا أو الشرّ فيه أغلب فوجب أن لا يجب ، بل ولا يجوز.
وإنّما قلنا إنّه يتضمّن الضرر ، لوجهين :
أحدهما : أنّه قد يستنكف أكثر الناس من طاعته فيحاربونه ويحاربهم ، فيؤدي ذلك إلى القتل والفتن وذلك محض الضرر ، واعتبر الوقائع الحاصلة بسبب إمامة علي عليهالسلام بحرب الجمل وصفّين وحرب الخوارج ، فأنّا نعلم بالضرورة أنّ ذلك إنّما كان بسبب إمامة علي عليهالسلام بحيث لو لم يكن لم يكن شيء من ذلك.
الثاني : أنّ الإمام إن لم يكن معصوما فبتقدير فسقه أو كفره إن لم يعزل تعدّى ضرر فسقه وكفره إلى الخلق ، وإن عزل احتيج في عزله إلى المحاربة والفتنة ، وذلك عين الضرر وإن كان معصوما جاز فسقه وكفره ، وحينئذ يتوجّه التقسيم المذكور فيه.
سلّمنا أنّ الإمامة لا تشمل على ضرر ، لكن لا نسلّم أنّها مشتملة على شيء من المصالح ، وحينئذ لا يكون فيها خير فضلا عن أن تكون خيرا محضا أو الخير فيها غالبا ، وبيان ذلك : أنّها إمّا أن تجب لا لفائدة ، فتكون عبثا وهو قبيح عندكم ، وأيضا فيكون تسليما للغرض أو لفائدة ، وهي إمّا منفعة دنيوية أو اخروية أو دفع مضرّة دنيوية أو اخروية ، وعلى كلّ التقديرات فهو محال : أمّا أوّلا : فلأنّكم لا توجبون على الله تعالى تحصيل كلّ المنافع للعباد ولا دفع كلّ المضارّ عنهم ، وإذا كان كذلك فلم لا يجوز أن تكون الإمامة من تلك المنافع أو دفع المضارّ؟ وأمّا ثانيا : فلأنّ إيصال تلك المنفعة أو دفع تلك المضرّة مقدور لله تعالى بدون الإمامة فينبغي أن توجبوا ذلك عليه ابتداءً.