ولا غضاضة عليه في فعله ، فإنّه متى لم يفعل عدّ مقصّرا في عرف العقل أو استقبح ذلك منه. واستعمالنا لهذا المثال في حقّ الله تعالى بحسب قياس الغائب على الشاهد ، فإنّ الفطرة شاهدة بعلّيته أي بمؤثّرية هذا الحكم مطلقا ، بل للتنبيه على ملاحظة عدم حسنه في حقّ الله تعالى.
الوجه الثاني : الإمامة جزء من أجزاء التمكين الذي هو واجب ، وجزء الواجب لا بدّ وأن يكون واجبا ، فالإمامة واجبة ، أمّا الكبرى فظاهرة ومتّفق عليها وأمّا الصغرى فبيانها : أنّ الداعي إلى فعل أكثر الطاعات واجتناب المعاصي في أكثر الخلق في كلّ وقت موقوف على وجود الإمام وغير ممكن الحصول من دونه ، وهذه ضرورية بعد تصحيح أحوال الخلق والاطلاع على أخلاقهم وطبائعهم ولوازم أمزجتهم ، وإذا كان فعل الطاعة غير ممكن بدون الداعي لاستحالة الترجيح من غير مرجّح والداعي غير ممكن من أكثر الخلق إلّا بوجود الإمام ، وجب أن يكون الإمام جزءا من أجزاء التمكين ، وكانت أولى بالوجوب.
وهذا التقدير (١) أولى من قول أصحابنا : إنّ الإمامة لطف وكلّ لطف واجب ؛ لأنّ تقدير كبرى قياسهم في غاية الصعوبة والتعسّر ، وبالله التوفيق.
لا يقال : لا نسلّم أنّ فعل الطاعات واجتناب المعصية موقوف على وجود الإمام ؛ وبيانه : أنّك إن أردت أنّ جميع الخلق في زمان وجود الإمام يمتنعون من جميع المعاصي ويفعلون جميع الطاعات فهذا ممنوع ، بل الضرورة تشهد ببطلانه ، وإذا كان كذلك كان بعض المعاصي واقعا وبعض الطاعات مفعولا في زمان وجوده ، وهذا أيضا ثابت في حال عدمه ، فإنّ بعض المعاصي موجود وبعض
__________________
(١) كذا في النسختين «عا» و «ضا» ، ولعلّ الأولى : التقرير.