لأنّا نجيب عن الأوّل : من وجهين :
أحدهما : أنّ الامّة غير معصومة فكان الخطأ عليهم جائزا ، فبتقدير أن يرتكب الإمام الكبائر جاز حينئذ أن يتابعوه على ذلك ، وعند متابعته لا يكون له منهم خشية إنكار عليه ، فتحقق حاجته إلى إمام آخر ، ويعود المحذور المذكور.
الثاني : أنّ كلّ من تصفّح أحوال العالم وعوائدهم اضطرّ إلى الحكم بأنّ الرعيّة في غالب الأوقات لا يتمكّنون من عزل الملوك الظالمين فجاز حينئذ أن يتغلّب عليهم ولا يكون له منهم خوف.
وعن الثاني : أنّ الفرق بين الامراء والقضاة وبين الإمام ظاهر ، فإنّا إنّما لم نوجب عصمة من عداه لأنّهم عند أن يرتكبوا ما لا يجوز كان الإمام هو الآخذ على أيديهم والرادع لهم عمّا ارتكبوه من ذلك ، وهذا الحكم غير موجود في حقّه من جهتهم ، لجواز اتّفاقهم على الخطأ على ما بيّناه أوّلا.
وعن الثالث ، من وجوه :
أحدها : لا نسلّم أنّ الإمامة مركّبة من القيدين المذكورين (١) ، وبيانه : أنّ القيد الأوّل وجودي والثاني عدميّ ولا يتركّب منهما حقيقة محصلة بل ماهية الإمامة ما ذكرناه أوّلا (٢) ، وهذان القيدان لازمان لها.
الثاني : لا نسلّم الحصر في الأقسام المذكورة ، على أنّا قد بيّنا سبب وجوب العصمة وذلك يستلزم عدم الحصر فيما ذكراه من الأقسام الثلاثة ، سلّمنا الحصر لكن لم لا يجوز أن يكون وجوبها لأجل نفوذ حكمه على كلّ من عداه من المسلمين ، والأمير المفروض في السؤال غير نافذ الحكم على كلّ المسلمين ، فلم
__________________
(١) الأوّل : نفوذ حكمه على غيره. والثاني : عدم نفوذ حكم غيره فيه.
(٢) الإمامة : رئاسة عامة في امور الدين والدنيا.