وعلى ذلك تخرج الآية عن الدلالة على الشفاعة المصطلحة بين المفسّرين وعلماء الكلام ، وإنّما اخترنا هذا المعنى لوجود قرائن في نفس الآية ، فانّها تبحث في صدرها عن خلق السماوات والأرض وتحديد مدّة الخلق والإيجاد بستة أيام ، ثمّ ترجع الآية ، وتنص على سعة قدرته على جميع ما خلق وإحاطته بهم ، وانّه بعد ما خلق السماوات والأرض ، استوى على عرش القدرة وأخذ يدبّر العالم. وعند ذلك يتساءل القارئ : إذا كان هو المدبر والمؤثر فما حال سائر المدبرات والمؤثرات التي يلمسها البشر في حياته؟ فللإجابة على هذا السؤال قال سبحانه : (ما مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ) مصرِّحاً بأنّ كل تأثير وتدبير في سبب من الأسباب إنّما هو بإذنه ومشيئته ولو لا إذنه ومشيئته لما قام السبب بالسببية ، ولا العلة بالعلية ، وهذه القرائن توجب حمل هذه الجملة على ما يجري في عالم الكون والوجود من التأثير والعلية ، وتفسيرها بالشفاعة التكوينية ، وأنّ كل ظاهرة مؤثرة كالشمس والقمر والنار والماء لا تؤثر إلّا بالاستمداد من قدرته سبحانه والاعتماد على إذنه ومشيئته حتى يتم بذلك التوحيد في الخالقية والتدبير.
* * *
ب ـ الشفاعة القيادية
وهو قيام قيادة الأنبياء والأولياء والأئمة والعلماء والكتب السماوية مقام الشفيع والشفاعة في تخليص البشر من عواقب أعمالهم