تكذيباً بالشفاعة حتى لقيت جابر بن عبد الله فقرأت عليه كل آية أقدر عليها يذكر الله فيها خلود أهل النار ، فقال : يا طلق أتراك أقرأ لكتاب الله وأعلم لسنّة رسول الله منّي؟ إنّ الذين قرأت هم أهلها هم المشركون ، ولكن هؤلاء قوم أصابوا ذنوباً فعذّبوا ثمّ أخرجوا منها ثمّ أهوى بيديه إلى أُذنيه ، فقال : صمّتا إن لم أكن سمعت رسول الله يقول : يخرجون من النار بعد ما دخلوا ، ونحن نقرأ كما قرأت.
وعن ابن أبي حاتم عن يزيد الفقير ، قال : جلست إلى جابر بن عبد الله وهو يحدّث ، فحدّث أنّ ناساً يخرجون من النار ، قال : وأنا يومئذٍ أنكر ذلك ، فغضبت وقلت : ما أعجب من الناس ولكن أعجب منكم يا أصحاب محمد تزعمون أنّ الله يخرج ناساً من النار والله يقول : (يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها) فانتهرني أصحابه وكان أحلمهم ، فقال : دعوا الرجل إنّما ذلك للكفار ، فقرأ : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ) حتى بلغ (وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ) أما تقرأ القران؟ قلت : بلى قد جمعته ، قال : أليس الله يقول : (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) فهو ذلك المقام فإنّ الله تعالى يحتبس أقواماً بخطاياهم في النار ما شاء لا يكلّمهم فإذا أراد أن يخرجهم أخرجهم قال : فلم أعد بعد ذلك إلى أن أكذب به ...» (١).
* * *
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٥٤ كما في حياة الصحابة للشيخ محمد يوسف الكاندهلوي : ٣ / ٤٧١ ـ ٤٧٢.