وقال الأكثرون من غيرهم : صحيح محمد بن اسماعيل البخاري هو الأصح ، وما اتّفقا عليه ، هو ما اتّفق عليه الأمة ، وهو الذى يقول فيه المحدِّثون كثيراً : صحيح متّفق عليه ، ويعنون به اتّفاقهما ، لا اتفاق الأمة ، وان لزمه ذلك (١) ، واستدل (السيوطي) في الأزهار [المتناثرة في الأحاديث المتواترة ، في كثير من مواردها على الصحيحين ، ثمّ قال في تدريبه بعد كلام النووي : «اتّفاق الشيخين» وذكر الشيخ : يعني ابن الصلاح (أن ما روياه أو أحدهما فهو مقطوع بصحته والعلم القطعي حاصل فيه) قال : خلافاً لمن نفى ذلك ، محتجاً بأنه لا يفيد إلا الظن ، وإنّما تلقته الأمة بالقبول (٢) لأنه يجب عليهم العمل بالظن والظن قد يخطئ.
وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قويماً ، ثمّ بان لي أن الذي اخترناه أولاً هو الصحيح ، لأن الظن من هو معصوم من الخطاء لا يخطئ ، والأُمة في] (٣)
__________________
(١). انظر «النكت على ابن الصلاح» لابن حجر ١ : ٣٧١ ، التقييد والإِيضاح : ٤١ ـ ٤٢ ، ومقدمة شرح مسلم للنووي : ٢٠ ، ثمرات النظر في علم الأَثر : ١٣١.
(٢). أَمّا نسبة القول إِلى الأُمة بتلقيهم بالقبول في الصحيحين فإنَّه يتعيّن على المدعي إِقامة البرهان ، ولا يخفى إِنَّ اقامته على هذه الدعوى يعدّ أَمراً مستحيلاً ، لأن الأُمّة تتألف من قسمين :
الأَول : العامة من الناس وهم السواد الأَعظم.
الثاني : الخواص من الناس ، وهم العلماء والمجتهدون.
ومن البديهي أَنَّ القسم الأَول خارج عن دائرة البحث ، لأنَّ فيهم من لا يعرف الصحيحين أَصلاً ، وخروج هذا العدد الكبير قد يضر بالاتّفاق كما لا يخفى.
وأَما القسم الثاني : فمن العلماء والمجتهدين طائفة انتقدوا الصحيحين لا سيما صحيح البخاري وبيَّنوا موارد ضعفهما ، تارة في الاسناد وأُخرى في المتون ، وقد ذكرنا أَسماء جملة من الناقدين في الفصل الرابع من التكملة فراجع.
ولا شبهة أَيضاً لدى الفقيه أَنَّ خروج هذه الطائفة من العلماء تضر بالاتّفاق المزعوم حقيقة.
(٣). ما بين المعقوفتين بياض في نسخة الأصل وقد وصلناها بقرينة سياق الكلام من كتاب «الأزهار المتناثرة» و «تدريب الراوي» للسيوطي.