وإنّما بدأ منه أولاً دفعهم عن نفسه لأنّه بعد أن ردّهم الله عنه ، حصر بني هاشم ليبايعوه فسرّع فيما يؤذن بإباحة القتال ، وكان الناس يسمّون ابن الزبير المحلّ لذلك (١).
ومن عجيب الأمر ما في هذه الرواية من ان ابن عباس يرى ابن الزبير أهلاً للخلافة لشرف نسبه مع أنه قد وقع منه بالنسبة إلى ابن عباس ما وقع كما سيأتي ، ومع انه قد طعن فيه في صدر الرواية بما نقلنا وفي ذيله بكلام آخر لم ننقله.
ومع ان جماعة منهم ذكروا انه قال : كانت في ابن الزبير ضلال لا تصلح معها للخلافة.
ومن اطلع على بعض ما وقع بين ابن عباس وابن الزبير من مشاجرات والمذاكرات جزم بان هذه الجملة التي لم نوردها موضوعة على ابن عباس.
ومن شنائع أحواله انه كان يقاتل على الدنيا وتحمل وزر جميع من قاتل وقتل معه ، والأخبار الواردة في ذم التكالب على الدنيا وطلب الرئاسة الباطلة ومقاتلة الناس عليها مما لا يمكن احصاؤها.
روى البخاري في كتاب الفتن عن أبي المنهال قال : لما كان ابن زياد ومروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة ، فانطلقت مع أبي إلى ابي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل عُلِّيَّةٍ له من قصب ، فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث ، فقال : يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس؟ فأول شيء سمعته تكلّم به : إني احتسبت عند الله أني أصبحت
__________________
(١). فتح الباري ٨ : ٢٦٢.