أما بعد : فقد وصل إليّ كتابك فقرأته ثم فهمته ، فأمّا دعوتني إليه من خلع ربقة الإسلام من عنقي ، والتهور في الضلالة معك ، وإعانتي إياك على الباطل ، واختراط السيف في وجه عليّ وهو أخو رسول الله، ووصيه ، ووارثه ، وقاضي دينه ، ومنجز وعده ، وزوج ابنته سيدة نساء أهل الجنة ، وأبو السبطين الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة فلن يكون ، وأما ما قلت إنك خليفة عثمان فقد صدقت ، ولكن تبين اليوم عزلك عن خلافته ، وقد بويع لغيره فزالت خلافتك.
واما ما عظمتني ونسبتني إليه من صحبة رسول الله صلىاللهعليهوآله وأني صاحب جيشه فلا أغتر بالتزكية ، ولا أميل بها عن الملة ، وأمّا ما نسبت أبا الحسن أخا رسول الله ووصيه إلى البغي والحسد لعثمان ، وسميت الصحابة فسقة ، وزعمت أنه اشلاهم على قتله فهذا كذب وغواية ، ويحك يا معاوية أما علمت أن أبا الحسن بذل نفسه بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله وبات على فراشه ، وهو صاحب السبق إلى الإسلام والهجرة، وقد قال فيه رسول الله صلىاللهعليهوآله هو مني وأنا منه وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، وقال فيه يوم غدير خم : ألا من كنت مولاه فعلي مولاه اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وهو الذي قال فيه رسول الله يوم خيبر : لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ، ويحبه الله ورسوله ، وهو الذي قال فيه يوم الطير : اللهم آتني بأحب الخلق إليك فلما دخل عليه قال : وإليّ وإليّ ، وقد قال فيه يوم بني النضير : عليّ إمام البررة وقاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ، وقد قال فيه : عليّ وليكم من بعدي (١) وأكد القول عليك وعليّ وعلى جميع المسلمين (٢) ، وقال : إني مخلّف فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، وقد قال فيه : أنا مدينة العلم وعليّ بابها ، وقد علمت يا معاوية ما أنزل الله تعالى في كتابه من الآيات
__________________
ـ والمكر ، يخدع ولا يخدع ، وقلوب أهل الشام مائلة إليه ، فقال له معاوية : صدقت والله ، ولكنه يحب عليا فأخاف أن لا يجيبني ، قال : اخدعه بالاموال ، والولايات ، فكتب إليه معاوية :
من معاوية بن أبي سفيان خليفة عثمان بن عفان إمام المسلمين ذي النورين ، ختن المصطفى على ابنته ، وصاحب جيش العسرة ، وبئر دومة ، المعدوم الناصر ، الكثير الخاذل ، المحصور في منزله ، المقتول عطشا وظلما في محرابه ، المعذب باسياف الفسقة ، الى عمرو بن العاص صاحب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وثقته ، وأمير عسكره بذات السلاسل ، المعظم رأيه المفخم تدبيره ، أما بعد : فلن يخف عليك احتراق قلوب المؤمنين ، وما اصيبوا به من الفجيعة بدم عثمان ، وما ارتكب به جاره حسدا وبغيا بامتناعه من نصرته ، وخذلانه اياه ، واشيا به العامة عليه ، حتى قتلوه في محرابه ، فيا لها من مصيبة عمت جميع المسلمين ، وفرضت عليهم طلب دمه من قتلته ، وأنا أدعوك الى الحظ الاجزل من الثواب ، والنصيب الاوفر من حسن المآب ، بقتال من آوى قتلة عثمان.
فكتب إليه عمرو : من عمرو بن العاص ...؟
(١) في المصدر : وقال فيه : علي إمامكم بعدي.
(٢) في المصدر : عليّ ، وعليك ، وعلى خاصته.